د. عبدالله باحجاج
تابعتُ لقاء معالي وزير التراث والسياحة مع شركاء القطاع السياحي بمحافظة ظفار، كما تابعتُ تفاعل بعض الشركاء عقب اللقاء، فلم يرتق اللقاء والتفاعلات إلى مستويات الطموحات السياحية، ولم يعطنا الانطباع بوجود خطاب جديد يختلف عن الخطابات القديمة، فالقول إنَّ هناك خطة تنفيذية لتطوير المقاصد السياحية، وسيتم توظيف جزء من هذه الخُطط بمحافظة ظفار، وتم التلويح بـ6 مليارات ريال بأجل زمني معوَّم، هي من خطابات الماضي، ولم تعد تدغدغ المشاعر؛ لأنها قد أُشبعت منها، ولم ترَ النور.
ولأنَّ مرحلتنا الوطنية الراهنة، هي مرحلة التنفيذ، ومرحلة تحقيق تقدم حقيقي في الإنجازات بسرعة زمنية فائقة، وبجودة تنافسية إقليمية عالية، وليس التلويح بالخطط المُبهمة زمنيًا وماهيةً، لذلك نرى أننا لم نتقدم قيد أنملة عن الخطابات القديمة في العموم والتخصيص، فكيف نصنف هذا اللقاء؟ هل في إطار الفعل أم ردة الفعل؟
سنضع هذا اللقاء في سياقاته الزمنية والمكانية، وهل جاء اللقاء ليخدمها أو يمتص استياءاتها؟ وهل نجح؟ ولو تأملنا في هذه الجزئية، فسنجد اللقاء قد جاء في ظل موجة استياء عامة، تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي من الزائرين من داخل البلاد، ومن الإخوة الخليجيين بسبب حالتي الازدحام والاختناق، وقلة الخدمات السياحية الأساسية، ومن طريق أدم- ثمريت، وشبه انعدام الخدمات الأساسية على طوله.. إلخ.
وهي استياءات مُحقة، فكيف نريد سياحة، والمياه تنقطع في وقت الذروة؟ وكيف نريد سياحة والمزارات لا توجد بها دورات مياه، وإن وُجدت في بعضها، فهي تقليدية، وتصوروا مزارات سياحية جاذبة، يصعُب الوصول إليها، لعدم وجود بنية تحتية؟ كالعيون التي عددها أكثر من 360 عينًا، وكالكهوف المتواجدة على طول سلسلة جبال ظفار، أبرزها كهف طيق أكبر حفر الإذابة في العالم.. وهنا نتساءل: هل جاء اللقاء السياحي ضمن الأجندات المبرمجة مسبقًا؟ أم كردة فعل على السياقات المستاءة؟ مهما يكن، فهو لم ينجح في رفع المعنويات الاجتماعية، ولا في محو الصورة النمطية والتقليدية عن الأداء العام القديم، فماذا كنَّا نتوقع؟!
أن يكون اللقاء في مستوى "الاستياءات" وحجمها الداخلي والخارجي، وأن يعكس الأهمية الوطنية بقطاع السياحة في البلاد، كأحد مصادر الدخل الأساسية التي تعول عليه بلادنا في إقامة اقتصاد مستدام؛ لذلك كنَّا نتوقع أن يأتي اللقاء مُبشرًا بحزمة مشاريع مُهمة، تُنفّذ دفعة واحدة، وفي وقت واحد، أي في أجل زمني عاجلاً وليس آجلا، ومن عهد المستوزرين السابقين، والمُجتمع يسمع عن خطط تنظيرية وأخرى تنفيذية.. أمطرت أسماعنا بها، ولم تشهدها أبصارنا حتى الآن.
كنا نتوقع سماع سحب الأراضي السياحية من كبار المتنفِّذين التي مُنحت لهم للاستثمار، ووضعوا اليد عليها، ولم يستثمروها منذ عدة سنوات، وكانت هذه الخطوة، ستبعث برسائل كثيرة، وفي كل الاتجاهات، لعل أبرزها رسالة الجدية والحزم التي تحتاجها مرحلتنا الوطنية. لكن هذا لم يحدث، وكلما أمر عليها، كتلك التي في أفتلقوت المطلة مباشرة على بحر العرب.. أتساءل في نفسي، هل مُنحت للاستثمار أم للامتلاك الأبدي؟ وأتساءل كذلك، كيف لو استثمرت سياحيًا؟ كم فوائد ستدر على الدولة ماليا وفرص عمل؟
وفي الوقت نفسه، لم يتمكن اللقاء حتى من امتصاص الاستياءات بانتفاء دورات المياه وبانقطاع المياه، وحالات الازدحام والاختناقات، فقد تجاوزها صمتًا، صحيح هي من اختصاص الثنائية المركزية واللامركزية، وهذه الجهة الأخيرة حاضرة، فكان ينبغي أن يُسمع صوتها في الجوانب المسؤولة عنها، خاصة وأن جزءًا من تلكم الإشكاليات يتعلق بخلل في التنمية وليس السياحة، وإن كانت السياحة تتداعى لها، كما يحدث في كل مواسم خريف ظفار، وآخرها خريف 2021.
لم نلمس حتى الآن أية مؤشرات فعلية على وجود مساعٍ لصناعة سياحة عائلية جاذبة، وهذا النوع من السياحة، هي الملائمة لبلادنا، وتتوافر لها كل المقومات التي يمكن- إن لم تتربع بها بلادنا على قمة السياحة العائلية على المستويين الإقليمي والعالمي- فإنها ستنافس بقوة عليها، وستقود النمو في بلادنا، وتساهم في تحقيق التنوع الاقتصادي. وبحسب إحصائية تعود لما قبل تفشي جائحة كورونا، فإنَّ السياحة العائلية تستحوذ على 13% من سوق السياحة العالمية، ويتجاوز حجم إنفاق السياحة العائلية 1.07 تريليون دولار، ويبلغ نموها السنوي قبل كورونا 5%.. إلخ، فكيف نجعل بلادنا عامة وظفار خاصة مركز إقليمياً للسياحة العائلية؟
التساؤل الأخير ينبغي النظر إليه كذلك من خلال الشراكات التجارية والاستثمارية التي تعقدها بلادنا مع بعض الدول، فحتى الآن مع الصين والسعودية، وفي الطريق شراكات أخرى واعدة، ولو أخذنا الرياض نموذجًا، فإنَّ مشاريع الشراكة معها، ستفتح البلدين بصورة غير مسبوقة، فهناك الطريق البري الجديد عبر محافظة الظاهرة، ومشاريع أخرى يُتوقع التفكير فيها من جهة "ميتين" بولاية المزيونة؛ لدواعي اقتصادية جيوسياسية ملحة. مثل هذه التطورات سيكون لها انعكاسات سياحية متعاظمة، فإذا كان السعوديون الآن رقمًا متفردًا في السياحة الخريفية رغم وصولهم عن طريق دولة ثالثة، فكيف بعد فتح الطريق المباشر بين البلدين، والآخر المُحتمل؟ فهل نستعد لمثل هذه التطورات الإيجابية وإنعكاساتها السياحية؟
أخيرًا.. نقول إن رهاناتنا الوطنية على السياحة هي مسؤولية الدولة بأكملها، ومحركات أجهزتها ونتائجها، تكمن في القوة الرقابية السياسية، ولو توفرت، سنرى الانعكاسات، وسنرى النتائج السريعة مجسدة في واقعنا المعيش.. وهذا ما ينقص المرحلة الراهنة، لذلك، لن نر الجديد في الخطاب والنتائج معًا، ما لم تكُن المتابعة السياسية مُفعّلة، وضغوطاتها قائمة بصورة مستمرة، ومُطالَبة بالنتائج، وقد تأخر كثيرًا تشكيل اللجنة المكلفة بمتابعة وتقييم أداء الوزراء والوكلاء ومن في حكمهم، ونتمنى أن تشكل من نخب مختارة بعناية، وبصلاحيات كبيرة. فبحكم مرسوم إنشائها، فهي تتبع المؤسسة السلطانية مُباشرة، وهذه قوتها السياسية، وسرعة تشكليها تقتضي الاستعجال فيها، بعد ما ظهر في الأداء العام مجموعة اختلالات كبيرة، ويكون لها تداعيات اجتماعية متزايدة ومتراكمة.