الخطأ الفادح

 

وليد بن سيف الزيدي

سمع البعض منِّا في الفترة القريبة التي مضت عن إصدار حكم بالسجن لمدة 24 عامًا في حق الشاب الأمريكي كاميرون هيرن وهو في بداية العقد الثالث من عمره نتيجة خطأ فادح تمثل في خوضه سباقاً مع أحد أصدقائه في أحد شوارع ولاية فلوريدا الأمريكية، مما تسبب وبشكل غير مقصود في وفاة أم وطفلتها بعد فقده سيطرة التحكم بمسار سيارته مما أدى إلى اصطدامه بهما وما لحق ذلك من آثار نفسية ومادية واجتماعية على الجانبين.

الأمر الذي سوف أطرحه هنا هو أيضًا خطأ فادح والذي يقع فيه البعض منِّا بشكل غير مقصود في بعض الأحيان. ولقد أسميتُه بالخطأ الفادح؛ نظرًا لما يترتب عليه من الوصول إلى نتائج حول الظاهرة البحثية (المشكلة البحثية) بشكل غير دقيق بعد بذل الكثير من الجهود والأوقات في الحصول على البيانات المراد تحليلها والخروج بالنتائج التي يمكن من خلالها المساهمة في إيجاد حل للظاهرة البحثية، بغض النظر عن المجال الذي يتم فيه بحث المشكلة سواء أكان في المجال التعليمي أو السياحي أو الطبي أو البيئي أو غيرها من مجالات الحياة العديدة.

ومن وجهة نظري والتي ربما لا تكون دقيقة بحكم تجربتي الحديثة في مجال البحث العلمي، إلا أن عدم دقة البيانات في بعض الدراسات العلمية قد يكون أحد الأسباب التي تجعل العديد من الدراسات العربية حبيسة الأدراج في كثير من الأحيان دون محاولة الاستفادة منها من حيث الوقوف على تلك النتائج والمقترحات التي تم التوصل إليها والأخذ بها ميدانيًا أو واقعيًا. مع العلم بأن تلك الدراسات يتم الاستفادة منها من جهة أخرى وذلك من خلال الرجوع إليها كمصادر علمية للباحثين وطلبة العلم وكإثراء للمكتبة العربية. ولكني هنا أنشد هدفًا أعلى من ذلك والذي يتضح من خلال اقتراحي للجهات المعنية بالبحث العلمي سواء داخل الوطن العزيز عُمان أو خارجه، ألا تكون نهاية الدراسة البحثية بالتوصل إلى النتائج والمُقترحات فقط، والتي عادة ما يكون الهدف منها الحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه أو المشاركة بها في المؤتمرات المحلية والدولية، وإنما لابد أن يكون مستوى الهدف أعلى من ذلك من خلال تكملة هذا الجهد الكبير الذي بذل من أطراف عديدة ذات خبرات وقدرات ومهارات عالية في مجال البحث العلمي. ولتوضيح الأمر بشكل أفضل أطرح هذه التساؤلات حول مقترح المرحلة التالية (مرحلة تطبيق نتائج ومقترحات الدراسات البحثية) التي من الجيد أن تأتي مكملة لمرحلة التوصل إلى نتائج الدراسة البحثية ومقترحاتها وهي كالآتي: أليس من المفترض أن يكون التطبيق العملي الميداني المبني على تلك النتائج والمقترحات هو المرحلة التالية تمهيدًا للوصول إلى حل المشكلة البحثية التي نُعاني منها لتصبح بذلك من الزمن الماضي؟ أليس الهدف الرئيسي من دراسة المشكلة البحثية هو إيجاد الحلول لها من أجل مُعالجتها والتخلص منها أم أن الهدف هو الوصول إلى النتائج والمقترحات فقط؟ هل وضحت فكرة المقترح الذي يقوم على أساس ضرورة وجود مرحلة تالية بعد التوصل للنتائج والمقترحات حول الدراسة البحثية بدلًا من بقائها حبيسة الأدراج؟ هل يمكن اعتبار هذا المقترح من الصعب تطبيقه لعدم ضمان دقة البيانات التي جُمعت من العينة المستهدفة؟ إذن ألا يحقُ لي بعد هذا أن أطرح مثل هذا الموضوع واسميه بالخطأ الفادح؟

ويمكن أن يتضح الخطأ الفادح من خلال افتراض أنك كنت في زيارة لموقع سياحي، وجاءك باحث منتسب لجهة رسمية تعليمية أو عملية وطَلَبَ منك إجراء مقابلة معك لمدة زمنية محددة أو تعبئة استبيان أو الاثنين معًا، بقصد جمع البيانات حول ذلك الموقع السياحي الذي تقوم بزيارته في تلك الفترة. فما هو الخطأ الفادح الذي يمكن أن تقع فيه وأنت أحد أفراد عينة الدراسة التي تم اختيارها؟

نعم إن الخطأ هنا يتمثل في إعطائك للباحث بيانات غير دقيقة لعدد من الأسباب، أما بسبب عدم رغبتك في أن تكون أحد أفراد عينة الدراسة، ولكن بسبب عامل الخجل الذي قد يمنعك من الاعتذار من الباحث تقوم بالاستجابة. وهنا لا أنصح برفضك أن تكون أحد أفراد عينة الدراسة فهو شرف لك يا أخي أن يكون لك دور في المساهمة في حل المشكلة البحثية التي يعاني منها مجتمعك. وقد يكون من أسباب الوقوع في ذلك الخطأ أيضًا عدم طلبك من الباحث توضيح ما لم يتضح لك حول بعض المحاور أو الفقرات أو الأفكار الواردة في المقابلة أو الاستبيان، أو قمت بالاستجابة وأنت في وضع غير مناسب من الناحية الصحية أو النفسية أو الاجتماعية. ومثل هذه الأسباب وغيرها قد تكون هي المسؤولة عن عدم دقة البيانات التي تم التوصل إليها. وقد ذكرت الموقع السياحي هنا كمثال على الخطأ الذي قد يقع فيه البعض من أفراد عينة الدراسة أثناء جمع البيانات. مع العلم أنه يمكن جمع البيانات حول أي ظاهرة قابلة للدراسة والتحليل والخروج بالنتائج والمقترحات والحلول التي تهدف إلى إسعاد الفرد والمجتمع سواء في المدرسة أو الجامعة أو السوق أو البيت أو الموقع السياحي أو المحل التجاري، مع ضرورة التركيز على دقة البيانات التي تم الحصول عليها من أفراد عينة الدراسة.

ومن باب كيفية تأكد الباحث من وقوع بعض أفراد العينة في هذا الخطأ، نفترض أن الباحث طلب من المبحوث في اليوم الأول تعبئة استبيان ما حول ظاهرة ما، ثم طلب منه في اليوم التالي تعبئة نفس الاستبيان لنفس الظاهرة، ففي حالة أنه وجد أن هناك اختلافًا كبيرًا بين تعبئة الاستبيان الأول وتعبئة الاستبيان الثاني من نفس الفرد فتأكد أن البيانات التي جمعت لم تكن دقيقة. وبالتالي فإنَّ النتائج التي تم التوصل إليها غير دقيقة الأمر الذي يجعل العديد من البحوث العلمية حبيسة الأدراج بدلًا من دخولها في مرحلة التنفيذ لتلك النتائج والمقترحات التي تم التوصل إليها بشكل واقعي وملموس، والتي من المفترض أن يكون لها دور أصيل في حل تلك المشكلة البحثية.

لذلك أقول إن عينة الدراسة يجب أن تتوافر فيها العديد من الشروط القائمة على الصدق والأمانة والحرص وإيمانها بأهمية البحث العلمي التي من خلالها تضمن لنا الحصول على نتائج أكثر دقة، والتي من المفترض أن يكون الباحث مدرك لها جيدًا قبل شروعه بجمع البيانات من أفراد العينة. كما يجب عليه أن يكون قريبًا من عينة الدراسة ولديه الوقت الكافي ويتمتع برحابة صدر عالية مع أفراد عينة الدراسة باعتبار أن البعض منهم لا يعلم ما يعلمه من أساسيات وأخلاقيات البحث العلمي؛ حتى يضمن الدقة في جمع البيانات. ولذلك يعتبر بعض أصحاب الخبرة من الباحثين أن طلبة المدارس ليسوا العينة الأنسب للحصول على البيانات بسبب قلة الوعي لديهم حول مفهوم البحث العلمي، وأهميته، وأهدافه، وأخلاقياته.

لكن مع رؤية "عُمان 2040" والتي من ضمن أهدافها في الفترة المقبلة التركيز على البحث العلمي، سوف يساعد هذا الأمر- بإذن الله تعالى- على نشر ثقافة البحث العلمي في مجتمعاتنا بشكل أوسع، وليصبح هذا الخطأ الفادح الذي يقع فيه البعض منا اليوم من الزمن الماضي، وليحل محله ثقافة البحث العلمي.

تعليق عبر الفيس بوك