مغردون ذوو مآرب شتّى!

راشد بن سباع الغافري

من طرائف العرب التي دونتها الكتب أنّ أعرابيًا مرَّ على جماعة يضربون رجلًا فتوقف ليُشاركهم الفعل، ولما سُئل لاحقاً لم ضربت الرجل؟ قال رأيت الجماعة يضربونه فشاركتهم طلباً للأجر والثواب!

وفي عصرنا الحديث كانت هناك مظاهرة عارمة تطوف إحدى المدن الأوروبية بسبب كتاب، فسأل أحد الدعاة واحدًا من المتحمسين في تلك المُظاهرة هل قرأت الكتاب؟ فردَّ بالقول لا ولكني رأيتهم يتظاهرون فنزلت للتظاهر معهم!

وعندنا كثير من المُغردين يشاركون في هاشتاجات (وسوم) دون أن يعلموا حقيقة ذلك الهاشتاج والمادة الواردة فيه؛ سواء كانت مقروءة أو مرئية إن كانت ذات مصداقية أو فيها تدليس ما. فتجدهم يشاركون لمجرد أنَّه وصل "الترند" (الأكثر انتشارًا) أو لمُفرداته الجاذبة أو لمحتواه الغريب، وربما لأنَّ فلاناً من المغردين المشهورين شارك فيه؛ دون أن يبذلوا جهدا للتحقق من مصداقية ما يطرحه أو التروي لتبيان حقيقته. فمِن هؤلاء مَن يشارك طلباً للأجر كما فعل الأعرابي، وهناك من يشارك ليعتلي الموجة كمثل المتظاهر، وهناك من يشارك لاستفزاز الآخرين والتسلية معهم، وبعضهم لغرض في نفس مُغرد!

وأسوأ هؤلاء من يشارك طلباً للشهرة، فهذه الفئة من المغردين في كثير من الأحوال ومن أجل تحقيق تلك الشهرة، لا تراعِ العادات، ولا القيم، ولا الخُلق، ولا القانون، ويكون مبدأهم الوحيد الذي ينطلقون منه هو مقولة "خالف تُعرف"! وبالتأكيد هناك من يقوم بدور رمانة الميزان في التَّعاطي مع ما يطرح.

هاشتاجات المغردين اليوم صارت مادة دسمة لبعض القنوات التي قامت تُعد برامج إخبارية مستمدة منها وتسلط الضوء عليها؛ وتتصيّد بعض التغريدات الواردة فيها، هذه القنوات التي قد تكون مشهورة أو مأجورة أو مغمورة أو مطمورة تسعى أحيانا لاقتناص الفرصة من هذه الهاشتاجات لبث فتن أو سموم معينة بحسب توجهها أو توجيه من يمولها؛ كما حدث قبل فترة مع الهاشتاج المطالب بمنع الخمور على سبيل المثال.

ولا يخفى على أحد، فقد بات البعض ينظر إلى هذه الهاشتاجات على أنها بمثابة استفتاء مجتمعي تجاه أمر ما؛ ومن خلالها تُصاغ وتُتبنى بعض الأفكار لتوجيه الرأي العام في تلك المجتمعات تجاه قضايا محددة.

وقد أصبحت الهاشتاجات في الآونة الأخيرة أشبه بجماعات الضغط داخل مؤسسات العمل، فهي تعمل على الضغط على المسؤولين أو المؤسسات الحكومية والخاصة أو جهات معينة أو شخصيات مجتمعية وذلك من أجل تحقيق مكاسب متعلقة بتوجهها الذي تكافح من أجل فرضه على المجتمع، فظهرت هاشتاجات تدعو للقبض على فلان وأخرى تطالب بإطلاق سراح علان، وبعضها تضغط من أجل إصدار قانون، وأخرى تضغط من أجل إلغاء تشريع! ويصل هذا الضغط أحيانًا لدرجة الاستقواء ببعض المعطيات أو الشواهد أو المؤسسات لتحقيق المآرب دونما اكتراث للقانون المنظم لهكذا حالات.

إنَّ هذا الضغط الذي يفرضه المغردون- إن كان من أجل مصلحة الوطن والمواطن- فهو ضغط محمود، أما إن كان من النوع الذي يكرس الانقسام بين أفراد المجتمع، ويعمل على استفزازهم أو بث الفتن بينهم فهو ضغط مذموم.

وقد بات كثيرٌ من هؤلاء المغردون يترصدون لأي مقطع أو تصريح سواء كان مرئياً أو مقروءًا؛ من أجل اقتطاع كلمات منه ليفعّلونها في صورة هاشتاج، وفي كثير من هذه الهاشتاجات يكون هناك هجوما حادا ولاذعا على صاحب التصريح أو الفعل، ولا يخلو الأمر أحياناً من الإساءة والتنمر على قائله أو فاعله.

إنّ التغيُرات المتسارعة الحاصلة في وسائل الاتصال والتواصل تتطلب بلا شك مواكبة ومراجعة مستمرة لها في القوانين والتشريعات التي تنظمها؛ وإن لم يحدث ذلك فقد تظهر فجوة كبيرة بمرور الوقت بينها وبين تلك الوسائل مما سيصعّب من التعامل مع المخالفين الذين باتوا يتلونون ويتطورون مع كل جديد.

نختم المقال بالنصح للمغردين قائلين لهم: لا تجعلوا من مشاركاتكم في وسائل التواصل منفذا للإساءة إلى وطنكم أو التقليل من قيمة مجتمعكم أو تعريض أنفسكم للمساءلة القانونية.

فبعض النهايات لتلك المشاركات تحمل طابع "جنت على نفسها براقش"!

تعليق عبر الفيس بوك