قلمي اللّطيف يكتب

سعيدة البرعمية

 

كتبنا جميعًا لفلسطين ولم نمت، كتبنا وكنّا على يقين بأننا لن نعيش في المنفى، كتبنا للقدس مع العِلم أنها تنكرنا وتنكر ما نكتب، قرأ الجميع ما ننشر دون أن يُقرأ!

قد تكتشف يومًا، أنَّ ما نشرته مازال في مستوى قيد الكتابة، وقد تنصدم بوجود الطبعة الأولى منه تحتل أرفف المكتبات، فينتابك شعور أنّ ألعاب ببجي أو ماين كرافت أكثر رواجا منه؛ فتنقضُّ عليها كأسد شرس وتمزقها، فتلقى طريقها لقمامة المكتبة.

ثم تتجه لأقرب حائط وتكتب عليه بعض العبارات "عذرا فلسطين، كان حبري جافا وأفكاري مبعثرة ومشاعري غير محدّدة، كتبت للحبّ والأمل وكتبت كتباً مكررة في التنمية البشرية وتطوير الذات، راقبت الترند وتصيدتُ مواضيعه في كتابة المقالات، فاستحوذتُ وحدي على ذائقة القراء وما يلامس همومهم؛ فحظيتُ بشهرة كنتُ ألهثُ خلفها، عذرا فلسطين فقد نذرت قلمي أن يكون قلم مَنْ لا قلم له، وعند قُرب المناسبات الوطنية أجتهدُ لأكتب أفضل قصيدة تخضع لمعيار رضا الناس ونسيتُ أنك وطني؛ بل ونسيت قلمي".

اتجهت بعدها لكتابة قصة "جارنا وتيسه المشاكس"، ومسرحية "ما حد درى بحد" وخاطرة "ويلي منك"، وشيلة للفائز بالانتخابات، وعندما أذهب لمكان ما وأُسأل عن جديدي، أفردُ صدري وأرفعُ رأسي عاليا وأحدِ حاجبيّ، كطاؤوس ينفش ريشه ويستعرضه، وأقول: لقد كتبتُ في الشعر والقصة والمسرح والمقال والخاطرة، وحالياً أُحضّرُ أفكار روايتي التي مازلتُ لم أحدد عنوانها، ترقبوها.

عذرا فلسطين..

لم أعثر على حبر غسان كنفاني ولا محمود درويش، عذرا يا قدس، هل تشفع لي عباراتي هذه على هذا الحائط، بعد أن مزقتُ ما كتبتُ قبلها؟

عذرا فليس ذنبي وحدي..

فهناك شاعر ألقى قصيدة على جمع غفير، وغمره الرضا، بعد أن رفعت له القبعات وانهالت عليه عبارات الثناء، وأخذه صدى التصفيق بعيدا نحو قمم الجبال.

وقلم آخر كتب قصص النازحين، وقيل له، أبدعت، فابتسم وشعر بشعور المرابط في الضفة الغربية. وآخر كتب مقالا عن انتهاك حرمة الأقصى، يسترسل فيه بدقة، ماحدث وشُوهِد على قنوات الأخبار، ويحثُّ ذاكرة قلمه على الاجتهاد؛ فيُذكّر بأحداث النكبة والنكسة والمخيمات وعمليات التهجير، ويشعر بعظمة ما يكتب، ويجهل أو يتجاهل حقيقة أنّ جميعها جروح مفتوحة، أخبرت عن نفسها بدماء الشهداء.  

وهناك آخر تسلّل لإحدى المنتديات، يبحث عن أفكار لروايته الجديدة!

جميعها لم تكترث لها تل أبيب؛ فكتبنا وما زلنا أحياء، كتبنا ولم نلق حتفنا في سيارات مفخخة؛ فأقلامنا لطيفة كألوان الفراشات وقطط البيوت، جميعها خذلت محمود درويش، الذي تأمل أنَّ خُطانا ستمشي على خطاه في المقطع الأخير من قصيدته "تنسى كأنك لم تكن":

أَنا للطريق... هناك مَنْ تمشي خُطَاهُ

على خُطَايَ وَمَنْ سيتبعني إلى رؤيايَ

مَنْ سيقول شعراً في مديح حدائقِ المنفى

أمامَ البيت، حراً من عبادَةِ أمسِ

حراً من كناياتي ومن لغتي فأشهد

أَنني حيُّ

وحُرُّ

حين أُنْسَى!

ضلّت أقلامنا وتاهت عن طريق درويش، أم أنّ له فلسطين والحرية، ولنا الحبّ والسلام؟!

**********

المفردات:

"ما حد درى بحد": أيّ لا أحد يعلم عن الآخر.