ماذا فعلت أمريكا في أفغانستان خلال 20 عامًا؟

صالح البلوشي

كان البعض يظن أنَّ مسألة دخول قوات "طالبان" إلى العاصمة الأفغانية كابول ستستغرق عدة أشهر، لكن المتابع للأحداث الأخيرة المتصاعدة هناك سيرى أنَّ مسألة دخول هذه القوات للعاصمة باتت مسألة ساعات فقط.

يحدث ذلك بعد أن سحبت الولايات المتحدة قواتها من أفغانستان بعد عشرين عامًا من وجودها في هذا البلد، بعد تدخلها العسكري في سنة 2001 وإسقاطها نظام "إمارة أفغانستان الإسلامية" الذي كان يحكم البلد بالحديد والنَّار، منذ أن سيطر على العاصمة الأفغانية كابل في 27 سبتمبر 1996م، وأُعلن قيام الإمارة الإسلامية في أفغانستان.

هذا الانهيار السريع لقوات الحكومة الأفغانية يجعلنا نتساءل: ماذا كانت تفعل الولايات المتحدة في أفغانستان منذ أكتوبر 2001؟ هل ساعدت على تأسيس جيش نظامي قوي يستطيع حماية البلاد من أي خطر محتمل، سواء كان خارجيًا أو من حركة طالبان أو أي حركة إسلامية أخرى؟ هل قامت بمساعدة البلاد في بناء بنيتها التحتية والقضاء على تجارة المخدرات؟ هل قامت ببناء المدارس والجامعات والمستشفيات؟ هل ساعدت على بناء دولة مدنية والقضاء على الميليشيات المسلحة؟

والجواب بكل تأكيد لمن يتابع أحوال أفغانستان في السنوات العشرين الماضية هو النفي، فالولايات المتحدة لم تقم بفعل أي شيء طوال هذه السنوات سوى بناء قواعد عسكرية لها والحفاظ على مصالحها فقط، بل كانت طائراتها تقصف أحياناً كثيرة تجمعات مدنية أفغانية كالأعراس والأسواق وأماكن العزاء ثم تبرر ذلك بأنه خطأ غير مقصود، وتقوم بتعويض أهالي الضحايا بعدة مئات من الدولارات، وكأنها تعوضهم عن أحبائهم الذين فقدوهم في القصف.

هذه الممارسات غير الإنسانية أفقدت الشعب الأفغاني الثقة في الولايات المتحدة التي ادعت أنها جاءت لتحرير البلاد من حكم طالبان الظلامي "القروسطي" (المنتمي للقرون الوسطى)، وعرفت أن هذه القوة العالمية الجبارة لم تأتِ من أجل تحرير بلادهم وإنما من أجل مصالحها فقط.

مسار الأحداث في أفغانستان والتقدم السريع لحركة طالبان وسيطرتها على كثير من الولايات منها مدينة مزار شريف عاصمة ولاية بلخ، آخر معاقل الحكومة الأفغانية في الشمال، يجعل المراقب يتساءل أيضًا: من أين كانت حركة طالبان تتلقى الدعم العسكري والمادي طوال السنوات العشرين الماضية؟ خاصة وأنها خسرت في تلك الفترة كثيرا من قادتها السياسيين والعسكريين، منهم أميرهم الأسبق الملا محمد عمر، ثم خليفته في قيادة الحركة أختر محمد منصور، إضافة إلى عزلتها بعد إقصائها من حكم أفغانستان بعد التدخل الأمريكي سنة 2001.

الأحداث الحالية تُعطي دروسًا لما يسمى بالمعارضات العربية بعدم الاعتماد على الولايات المتحدة أو أي قوة خارجية من أجل تغيير النظام السياسي في بلادها، وتعطي درسًا مهمًا بأن تكون معارضتها سلمية ولا تعرض السلام الأهلي في بلادهم للخطر، ولقد رأينا في سوريا- مثلاً- أن بعض من يسمون أنفسهم بالمعارضين لم يكتفوا بالاستنجاد بالولايات المتحدة من أجل التدخل العسكري، بل طالب بعضهم الكيان الصهيوني بالتدخل أيضا، ورأينا كثيرا منهم يرقص طربا لكل هجوم صاروخي صهيوني على سورية، كما أن آثار طلب "المعارضة الليبية" لحلف الناتو بالتدخل العسكري في ليبيا من أجل إسقاط نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي واضحة أيضًا، وكذلك من ساعدوا الأمريكان في احتلال العراق، فجميع هذه الدول تعاني من مشاكل كثيرة جدا أبرزها الإرهاب والفساد، ولم تتخلص منها رغم مرور سنوات طويلة على حدوث التغيير السياسي فيها من الخارج.