الخدعة

 

وليد بن سيف الزيدي

كشف المختبر الياباني (Fomalhaut Techno Solutions) المتخصص في تفكيك الأجهزة الإلكترونية، أنَّ القيمة الفعلية لجهاز هاتف من نوع "آيفون 12" بلغت 373 دولارًا أمريكيًا؛ أي ما يعادل 143 ريالًا عُمانيًا، ولك أن تتصور قيمة الشراء لنفس هذا الجهاز بعد وصوله إلى السوق.

ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية خبرًا يفيد بأنَّ التكلفة الفعلية مع الشحن لإنتاج فستان من نوع كوكتيل أسود تبلغ 400 دولار أمريكي؛ أي ما يعادل 154 ريالًا عُمانيًا، في حين أن تسويقه يصل إلى 2300 دولار أمريكي؛ أي ما يعادل 885 ريالًا عمانيًا. وهناك عدد من الأمثلة الأخرى لا داعي لذكرها؛ بسبب وقوعها تحت نفس مظلة تلك الخدعة.

فهل تعرفون أيها الأحبة سبب ذلك الفارق الكبير بين التكلفة الحقيقية للسلعة وبين التكلفة التسويقية التي يقع فيها البعض منا؟

نعم.. إنها الخدعة، خدعة الاسم التجاري أو العلامة التجارية (الماركة) أو الاسم المشهور لذلك الشخص أو المنتج، وكل ما يندرج تحت حكم تلك الخدعة.

أريد منك يا أخي أن تعيش تجربة هذه اللحظة مع نفسك عندما تكون أمامك سلعة من نوع محفظة نقود أو شنطة سفر مثلًا تتبع لماركة هرمز أو ديور أو أي ماركة عالمية أخرى، وفي المُقابل أمامك محفظة نقود أخرى أو شنطة سفر أخرى، لكنها غير تابعة لماركة معينة مع افتراض أنَّ قيمة السلعتين واحدة- وهذا لايُمكن- فما الشعور الذي ينتابك حينها؟ أتوقع أن شعور الكثير منا سيقوده إلى اختيار السلعة ذات العلامة التجارية المعروفة دون التركيز على لون أو حجم أو حتى جودة تلك السلعة. إذن هذا هو معنى الوقوع في خدعة العلامة التجارية أو الاسم التجاري "الماركة".

وما يدل على صحة هذا الكلام ولو بنسبة قليلة منه أن هناك عددًا من المحلات التجارية والتي أصبحت اليوم تضع مع كل سلعة يتم شراؤها علامة تجارية معينة وتكون ظاهرة للعيان عند استخدام تلك السلعة؛ حيث البائع هنا يقصد الترويج للسلعة وإيقاع المشتري في الخدعة، وفي المقابل المشتري يتفاخر أمام الآخرين بوقوعه في تلك الخدعة "العلامة التجارية" ولكن دون أن يعرف.

يمكن أن ننتقل لفكرة أخرى ولِدت من الفكرة السابقة، وحيث ظهرت بشكل واسع في هذه الأيام عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي التي أعطت شخصاً ما لقب "المشهور" وهو بمثابة علامة تجارية يتم استغلاله، وطلبه للترويج لسلعة ما أو مطعم ما أو فندق ما مُقابل ما يتم الاتفاق عليه بين الجانبين سواءً أكان ماديًا أو معنويًا، عن طريق إصدار حكم وعادة ما يكون الحكم إيجابيًا من قِبل المروج أو المشهور "العلامة التجارية" حول تلك السلعة وذلك بناءً على ذوقه الشخصي أو أن يقول عكس الواقع بسبب قلة الوازع الديني لديه. وعندما نقوم نحن بالتجربة نكون بذلك قد وقعنا في الخدعة.

طيب.. هل الوقوع في الخدعة يكون فقط في السلع والمواد التجارية؟ أليس هناك من يستغل اسمه أو مكانته العلمية أو الاجتماعية "العلامة التجارية" في المجتمعات والمؤسسات بهدف الترويج لأفكار لا تتوافق مع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا تتوافق مع القيم الأصيلة والأخلاق العالية، فبذلك نقع أيضًا في الخدعة والتي هنا تكون أكبر وأعمق أثرًا على الفرد والوطن مقارنة بخدعة السلع والمواد التجارية؟ منْ يقع في تلك الخدع سواء التجارية أو الفكرية؟ أليس قلة الوعي هو أحد أسباب الوقوع في تلك الخدع؟ كيف يأتي الوعي وممن يأتي؟

أخيرًا.. هل هذا الكلام الذي ذُكر دقيق بنسبة 100%؟ طبعًا لا، ولكن توجد فيه نسبة جيدة من الدقة، ودليل ذلك أن العديد منِّا يقع في مثل تلك الخدع؛ لذلك جاء هذا المقال ليكون له أثر ولو بشكل بسيط في توعية من وقع أو يوشك في الوقوع في مثل تلك الخدع.

ثم، ومن باب الإنصاف، هل يمكن تعميم هذا الكلام على جميع العلامات أو الأسماء التجارية أو الفكرية؟ طبعًا لا؛ بل من الخطأ التعميم؛ حيث إنَّ هناك من الأسماء التجارية والفكرية الحقيقة التي يكون لها أثر نفسي وفكري جيِّد على الفرد الذي بدوره ينعكس على المجتمع؛ كالشعور بالسعادة مثلًا عندما يتم زيارة موقع ما أو مطعم ما أو شراء سلعة ما ذات علامة تجارية حقيقة أو تلتقي بشخص ما صادق مع نفسه ومع الآخرين أو تسمع منه ويكون بذلك قد ساهم في إعطاءك شيء من فكره الصادق ووقته الثمين والذي من خلاله أصبحت تقول أو تفعل كل ما هو حسن.

فهل وصلت فكرة المقال يا أخي؟!

تعليق عبر الفيس بوك