د. خالد بن حمد الغيلاني
@khaledAlgailani
ما بين المقال الأول من شرق وغرب والمقال الثاني أسبوعٌ، ورغم أنَّها مدة قصيرة من حيث الزمن؛ لكن الأحداث متوالية، والقضايا تزيد عددا وحدة ووطأة وبالتالي تزيد تأثيرا، ولا أخفي حيرتي في تحديد ما يمكن تناوله في هذا المقال، وعبر الأسطر القادمة، وعسى أن يكون تحديد القضايا التي سأتحدث عنها تحديدا يبرز أهميتها من حيث اهتمام النَّاس بها، وتأثرهم بنتائجها.
وقبل الحديث عنها، هناك سؤال يتردد في ذهني، وأراه حاضرًا ماثلاً ليس أمامي وحدي؛ بل أمام الكثيرين؛ هل كثرة القضايا سببه قلة الحلول أو عدم رغبة واهتمام المسؤول أو كثرة القضايا وتسارع الأحداث وبالتالي عدم القدرة على مُواكبتها أو عدم صبر المجتمع وكثرة الإلحاح منه أو من أمن العقوبة أساء....!
البعثات الخارجية
قبل الحديث عن هذا الأمر بالغ الأهمية، أهنئ كل الباذلين من أبنائي الطلبة والطالبات في كل شبر من أرض عُمان الغالية، بذلتم واجتهدتم وثابرتم وصبرتم وتحديتم؛ فكان النتاج والنجاح والإجادة على قدر العمل والسهر والتعب والعطاء، فهنيئاً لكم ولأسركم الكريمة. ومع البذل كانت الأحلام كل على قدر عزمه وعزيمته، ورغبته في مجد شخصي يصل به إلى مجدٍ وطني.
فإذا بالوزارة المعنية تخفض عدد البعثات الخارجية تخفيضاً ليس في وقته؛ ولا يختلف اثنان على أهمية هذه البعثات في رفد أبناء عُمان بالخبرات والإمكانيات والقدرات من مختلف البلدان، الأمر الذي يسهم في نقل علم ومعرفة جديدة ومتنوعة، ويفتح أبوابا نحو اقتصاد المعرفة على حقيقته، وهذا لا يتحقق بالشكل المأمول من خلال مؤسسات الداخل، كما أن دراسة أبناء الوطن في جامعات عريقة على المستوى الدولي له إسهامه الكبير في تنمية القدرات وصناعة الإنسان.
كان الأولى زيادة البعثات وتوسيع نطاقها وتخصصاتها لا تقليلها، ومهما كان السبب للتخفيض كان لابُد من التغلب عليه؛ بل وتحديه والتصدي له، إن الحقيقة التي يجب التأكيد عليها أن رؤية "عُمان 2040" حددت التعليم القائم على الإبداع والابتكار منطلقا وهدفا، ثم تأتي جهة الاختصاص فتخفض البعثات، وهذا يعني أننا نسير نحو عدم تحقيق كل أركان الرؤية المستقبلية كما أرادها مولانا السلطان المعظم؛ والعودة إلى العدد السابق من البعثات مطلب وضرورة؛ بل زيادة عددها غاية وهدف، ولعل وعسى.
زحف الرمال
لا يخفى على أحد في ربوع هذا الوطن العزيز تأثير الرياح وتقلباتها وحركتها خاصة خلال فصل الصيف، وزحفها اليومي نحو الطرق المُعبدة، وتأثير ذلك على مستخدم الطريق. وكذلك الكل يعلم المناطق التي تتأثر بذلك في السلطنة على اتساع رقعتها الجغرافية، لكن ما يدعو للأسف والحزن أن من يعنيه الأمر لا يعطي هذا الأمر الاهتمام اللازم والأولوية القصوى، ولا يصل به إلى درجة الأزمة التي تحتاج معاملة خاصة وعملا دائماً على مدار الساعة. ففي فصل الصيف وزحف الرمال لا يقتصر دور المسؤول على إصدار الأوامر وتوقيع العقود مع الشركات وبالتالي تحميلها المسؤولية، بل عليه أن يستشعر ذلك الأمر ويصل ليله بنهاره متابعا ومراقبا ومعاقبا، لأنه مسؤول عن سلامة الطريق وحفظ أرواح سالكيه، ورغم الإيمان الكامل بالقضاء والقدر؛ لكن أحمّل كل مسؤول ترك الرمال على الشارع دون اتخاذ التدابير مسؤولية كل نفس زهقت أو أقعدت. وليعلم هؤلاء أنهم في الذنب سواء مع تلك الشركات التي لا تقوم بدورها لأنها ببساطة لا رقيب ولا حسيب. فالله الله في العباد وفي أرواح الناس، ولا بد من وجود المعدات اللازمة لتنظيف الطرق بشكل يومي وفي كل مكان يتأثر بزحف الرمال ولا عذر.
السياحة
هذا المورد الذي لو نال حقه من العناية والاهتمام، والتخطيط والتنفيذ، والاستثمار فيه استثمارا حقيقيا؛ لكان المصدر الأول للدخل العماني، ولفتح أبوابا للرزق للمئات من أبناء عمان، وهو مصدر مستقل بعيد عن تقلبات النفط وتغيّر أحواله، ونحن في عُمان نملك كل المرتكزات؛ من بنى تحتية، واستقرار سياسي، وقاعدة أمنية متينة، وشعب كريم مضياف، وتنوع بيئي ومناخي قل نظيره، واتساع جغرافي يرضي كل الأذواق، ورقعة أرضية مناسبة تمكّن من إقامة مشاريع سياحية عملاقة.
لتكون السياحة في عُمان سياحة حقيقية مستدامة؛ نحتاج فقط للبحث عن كيفية جعلها مستدامة، ففي ظفار مثلا السياحة مدتها ثلاثة أشهر على الأكثر؛ مما يجعل المستثمر متردداً، علينا جعلها طول العام والحل بسيط من خلال تنوع الفعاليات واستضافة الأنشطة والبرامج وتنشيط الأسواق، وعقد المؤتمرات الدولية ذات الحضور الجماهيري، والمسابقات الرياضية ذات المتابعات الدولية، وهي كثيرة ومتنوعة، ويمكن إسقاط ذلك على كل الأماكن، مع توفير متطلبات الترفيه الدائم والمستمر، وكل الخدمات المساندة والضرورية، فهل نرى ذلك واقعا بعيدا عن التنظير والتخطيط غير الواقعي؟ سؤال نريد الرد عليه عبر عمل نراه لا نسمعه فقط.
حفظ الأماكن العامة
في كل المواسم والمناسبات، ومع كثرة الخروج للتنزه وقضاء الأوقات، وهو مطلب ضروري للترويح عن النفس، وقضاء الوقت، وتجديد النشاط؛ لكن للأسف الشديد تعامل البعض مع المكان تعاملا عدائيا، غير محمود العواقب، وغير مأمول، وغير متوقع لا عقلا ولا منطقا ولا سلوكا. فأدنى درجات التقدير والاحترام وحسن الاستخدام تتطلب الحرص كل الحرص على بقاء المكان الذي زرته وجلست فيه حسنا جميلا رائعا ممتعا لك ولغيرك، بل من خلق المسلم أن يزيل ما به من خلل وضرر، ويتركه على أحسن الحال كأنما هو بيته ومستقره، فثقافة الاهتمام والعناية وحفظ الأماكن العامة ثقافة يجب أن تنتشر بيننا، ومع نشرها وتوعية الناس بها؛ لابد من عقاب صارم لكل من تسوّل له نفسه العبث والخلل، أو يسعى للفساد والخراب في الأرض، وهذا النوع لا يقل ضرراً عن كل فاسد مخرّب يسعى في الأرض فسادا وضررا، ومعظم النَّار من مستصغر الشرر.