الحقيقة في مواجهة التحريف

 

سعيد غفرم

Said.gafaram@gmail.com

الألفاظ العربية الشحرية منطوقة وغير مكتوبة تعود إلى عصور ما قبل الإسلام، وهي جزء من الهوية الوطنية العمانية، وسمي اللسان العربي الشحري بهذا الاسم نسبة إلى قبائل الشحرة؛ وهم السكان الأصليون لمُحافظة ظفار، ولقد نجحوا في الحفاظ على هويتهم الثقافية وأساليب معيشتهم ونقلوها إلى النَّاس والأقوام الآخرين الذين نزحوا إلى ظفار في فترات متعددة من الزمن، لأنها تمثل تراثهم العريق ورمز وجودهم وسجل تاريخهم وإرثهم الكبير الذي خلده الآباء والأجداد في موطنهم الأصلي منذ الأزل، وليست مجرد وسيلة للتعبير عن الأفكار وتبليغها للآخرين أو التخاطب والتفاهم بين النَّاس.

لكن.. ما سر بقائها؟

ما زالت اللغة الشحرية حيَّة ويتحدث بها أغلب سكان ظفار في حياتهم اليومية تقريبًا وساعد انغلاقها وانعزالها على حمايتها من الاختلاط أو التأثر باللغات الأخرى، فظلت محتفظة بأصالتها القديمة حتى العصر الحاضر، كما حافظ على اسمها الكثير من علماء اللغات والأكاديميين والرحالة العرب والأجانب في كتاباتهم ومؤلفاتهم التي أصبحت مرجعًا تاريخيًا.

ومن المؤسف حقاً أن ينالها التحريف من الناطقين بها قبل غيرهم، وبات هذا الخطر يُهدد هويتها المتجذرة في أعماق الماضي وإشاعة اليأس في مستقبلها اللغوي حيث قام العديد من الكتاب بتغيير اسمها الحقيقي في عناوين كتبهم الحديثة، وأطلقوا عليها عدة تسميات خاطئة كاللغة الجبالية أو لغة عاد أو لسان ظفار الحميري المُعاصر... وغيرها من الكتب؛ سواء كان ذلك بقصد التحريف في معناها الصحيح أو الجهل بدلالاتها وأصولها واشتقاقاتها المتعددة، وأصبحت أقلام المثقفين تتسابق في وضع عناوين مختلفة لإصدارتهم الجديدة من الكتب التي تعبر عن معنى جديد لشيء آخر، لم يكن معروفاً من قبل، وقد لا تكون له علاقة بأصل اللغة سوى الزعم والإشاعة وهي مأساة تتكرر كل مرة بلا رادع ولا وازع...! ولن يضروا إلا أنفسهم بزعمهم هذا، مهما حاولوا تشويه الحقائق التاريخية وطمس آثارها وهويتها العربية الشحرية، لأنها تعد من أقدم ألسنة العرب القدماء وما تزال متداولة بشكل واسع بين السكان في المحافظة بل ستبقى تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل.

ومن المعروف أن الشحرة عرب أقحاح يرجعون بانتمائهم القبلي إلى قضاعة وفقاً للمراجع التاريخية، وهم كما وصفهم ابن مجاور (ت:٦٩٠هـ)- نقلاً عن الواسطي- بقوله "وهم قوم طوال حسان لهم لغة منهم وفيهم ولم يفهمها إلا هم ويسمونهم الشحرة" (آل حفيظ، ١٩٨٧، ص٧).

وفي عام الوفود قدم الصحابي ذهبن بن قرضم الآمري من الشحر إلى النبي مُحمد- صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة ومعه مجموعة من أفراد قبيلته من بني الآمري (فرانتسوزوف، ٢٠٠٤).

 فالأجدر بنا أن نصحو من صدمتنا وأن نعطي هؤلاء الناس حقهم، لأنهم حافظوا على هويتهم وتقاليدهم ولغتهم من الانقراض على مر العصور والأزمان بدلاً من أن ننسبها إلى الجماد الذي لا يفهم ولا يجيب أو إلى أقوام قد هلكوا وفنوا.

وختامًا.. وجب التأكيد على أنَّ اللغة الشحرية تعد إرثا ثقافيا ثمينا وحضارة للمجتمع، نرى ضرورة المحافظة عليها وحمايتها من الدعوات المشبوهة والهدامة، وأن نعمل ما يحافظ على بقائها من حيث كتابة حروفها وتدوين ألفاظها وأشعارها وفنونها وفك رموزها وتفسير آلاف النقوش في ظفار. ونناشد الجهات المعنية وخاصة وزارة الإعلام أن توقف أي إصدار جديد من الكتب التي تحمل عناوين مخالفة لاسم اللغة الحقيقي؛ كونها عنوان هوية المجتمع لا يمكن التخلي عنها.

تعليق عبر الفيس بوك