"غيلان" العمالة الآسيوية الوافدة

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

(1)

يأتي الوافدون إلى السلطنة- خاصة من دول آسيا- للعمل وتحسين ظروف معيشتهم، يأتون للعمل في بلد قلّت فيه فرص الشغل لأبنائه!!، يبدأ كثيرون منهم من الصفر، وبين ليلة وضحاها يقفزون إلى السماء، وتبدأ ثروات بعضهم بالتضخم والتوحّش، بينما ينظر العمانيون إلى هذه الفئة بغضب واستنكار أحيانًا، ولا يملكون إلا المُطالبة بتعمين الوظائف العليا في المؤسسات التي احتكرها الوافدون، وصالوا وجالوا فيها، وأثروا بسببها، حتى باتت الأبواب مُغلقة على طموحات الشباب العماني، وبات الوافد هو الآمر الناهي في كثير من الشركات.

وبلغت نسبة الوافدين أكثر من 41% من عدد السكان بعد أن كادت تصل إلى نسبة 50% لولا إجراءات الحكومة المتأخرة نوعًا ما.

(2)

لقد شكّلت بعض الجاليات الآسيوية "لوبيات" مُنظّمة تحتكر السوق المحلي، وتستغل حاجة التجار المحليين لتنمية أموالهم، ولو كان ذلك على حساب أبناء الوطن، فالربح أهم من الوطن عند البعض، حتى تنمّر بعض هؤلاء الوافدين ولم يعودوا يحترمون قوانين البلاد، ولا عاداتها وتقاليدها، فكم من مقطع فيديو يُظهر أحدهم وهو يرمي أو يُمزق الريالات العُمانية- وهي رمز وطني- باستخفاف وكأنَّه يغيظ المواطن، ويقول لهم: "أنا أصنع المال في بلادكم، وأنتم تثرثرون دون جدوى"، وكم من مرة يستغل المدير الوافد سلطته ليطرد الموظف العُماني، أو يهينه، أو يضيّق عليه في العمل ليجبره على الاستقالة، وكم من قضية مرفوعة في المحاكم سببها وافد استهتر بالقوانين العمالية، ووجد في ثقة "الأرباب" سندًا له يعينه على بغيه، وكم من وافدٍ استغل ثقة شريكه العماني فنهب المؤسسة وهرب خارج البلاد، وظل العُماني ملاحقا قانونيا في المحاكم.

(3)

في فترة من الفترات كان الوافد الآسيوي يُردد عبارة "أرباب..أنا فيه فقير.. مسكين"، لكي يستدر بها شفقة وعطف الآخرين، غير أنَّ هذه العبارة لم نعد نسمعها الآن، واستبدلوها بعبارة أكثر جرأة وتحدٍ تقول "أنا ما في خوف"؛ وهي عبارة تلخص المشهد كاملا؛ لأنها تعكس ثقة الوافد بأنَّ القانون في صالحه أحيانًا كثيرة، وأن العقاب لا يردعه، فتمرده على العمل، وخسارة المؤسسة، وهروبه لا يتحمل هو تكاليفها؛ بل يتكبدها ويعاني منها المواطن، فهو يأتي معززًا مكرمًا، ويرحل معززًا مكرمًا؛ بل إن بعض البسطاء ما زالوا يتعاطفون معه لأنه "وافد مسكين" لا يتطاول أو يتجاوز الأدب والقوانين، وأن الحجة على المواطن دائمًا، لأنهم يعتقدون- مخطئين- أنه العنصر الأقوى.

(4)

يأتي بعض الوافدين إلى السلطنة من الأحياء الفقيرة في بلدان تصدّر العمالة الرخيصة والرديئة وغير المتعلمة، وحين يتمكّنون في السوق المحلية يتحولون إلى "غيلان" خطيرة تحاول ابتزاز المواطن، وتتحكم في أسعار السلع والخدمات التي تُقدمها، خاصة في مجالات التوصيلات والإصلاحات الكهربائية والمائية، والبناء.

ولعل سوق الإصلاحات الفنية يحتاج إلى ضبط، ورقابة أكثر، كضرورة وجود شهادة مهنية معتمدة من دولة العامل، ووجود محل مرخص ثابت للعمال لممارسة أعمالهم منه، بدلًا من انتشارهم أمام محلات بيع مواد البناء كما هو حاصل حاليًا، مما يُؤثر على أصحاب العمل الجادين والذين يمتلكون محلاتهم الخاصة، ويتكبدون تكاليف ومصروفات شهرية، بينما تنافسهم هذه العمالة السائبة دون أن تتحمل أي مسؤولية.

(5)

كل الشكر والتقدير لأولئك الوافدين الأعزاء- من أيِّ بلد كانوا- الذين ساهموا في بناء هذا الوطن، وشاركوا خبراتهم وتجاربهم مع أبنائه، وتركوا بصماتهم في حياة الكثيرين كل في مجاله، ولم يستغلوا طيبة أهله، ولم يتحولوا إلى مُجرد منتفعين من خيرات الأرض، بل كانوا نعم "المواطنين الوافدين"، شكرًا لهم لأنهم كانوا حريصين على أماناتهم، وعلى مقدرات هذا الوطن، أكثر من بعض أبنائه أنفسهم.