غياب القدوة.. وتهميش الكفاءة!

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"صحيح أن النزاهة وحدها لن تجعلك قائدًا، لكن أيضًا بدون النزاهة لن تكون أبدًا قائدًا"- زيغ زيغلر.

أحيانا أشعر أن هناك حملة منظمة في مجتمعاتنا لقتل القدوة، وجعل الناس تتجاوز النزيه، وتقف احترامًا للمتجاوز ( لم أجد كلمة مجملة أكثر من هذه المفردة )، أشعر من خلال متابعتي لتراكمات إدارية في سنين ماضية بأنه وكأن هناك مخطط لقتل القيادي القدوة، القيادي النظيف الملتزم، أستاء عندما لايحصل صاحب الحق على حقوقه، عندما يُرقى الأسوء مكان المستحق الأفضل لأسباب لا علاقة لها بالكفاءة، النماذج كثيرة ومن مختلف الدرجات القيادية.

في سنوات مضت أوما يسميها الكثير سنوات الزمن للجميل كان غالبًا القيادي يملأ مكانه، كان القيادي مثالًا يُحتذى بالانضباط ونظافة اليد والكفاءة، ولم يكن يعين إلا أصحاب الكفاءة والمتزنين أخلاقيا ومهنيا، لذلك تجد للقيادي أيا كان منصبه قدوة وله هيبة نابعة من انضباطه، أما الآن حدث ولا حرج- إلا ما رحم ربي- خاصة ممن يتبوأ منصبه بناء على اعتبارات لا علاقة لها بالمهنية والكفاءة!

من الأمثلة المُضحكة المُبكية أن أحدهم نال شهادة البكالوريوس والماجستير والدكتوراة بالتي واللتيا وبالفهلوه على طريقة: الرزق يحب الخفية، تبوأ أحد المناصب بإحدى الشركات وكان منصبه يتعلق بمهام إدارة الجودة وأخلاقيات العمل.

من أهم المشاكل الإدارية عندما يتولى المسؤولية من هو غير كُفء؛ لأنها تقلل نسبة الإنجاز العملي المطلوب، ويتم التغاضي عن أخطاء والتغطية على سوء التنفيذ، والتجاوز عن مخالفات وبعد ذلك يهبط معدل الكفاءة العامة للعمل، وتفتر همة المنتسبين؛ لأن الكفاءة والعمل الخلاق لم يعدا سببا للارتقاء الوظيفي، وسيغيب الإبداع ويصبح العمل روتينيا مملا تكثر فيه الشكاوى، وتزدهر به المركزية القاتلة، التي يقودها من هوأقل من مستوى المسؤولية!

قد يقول قائل أنا مواطن ما هي قدرتي على محاربة الفساد الإداري؟ أقول له على الأقل إن لم تستطع المنع ولا تملك صلاحيةـ فأضعف الإيمان لا تُطبِّل له، لا تشجعه، لا تصفق للفاسد. أتذكرُ قبل فترة ليست بالطويلة، كان أحد المرشحين بإحدى الانتخابات معروف بالفساد والضعف، لكنه نجح في الانتخابات عدة مرات سابقة، فسألتُ أحدهم ممن كان يشكو من الفساد: لماذا تصوت له وأنت تعلم يقينًا أنه غير صالح؟

قال: والله كلمني أحد الأقارب ممن لا أستطيع رفض طلبه وقلت أبشر بالصوت!

علينا أن نسمي الأمور بأسمائها ولا نختبئ وراء المجاملات، واضح جدا أن شرط الكفاءة قد يكون هوالشرط غير ملزم لتعيين القياديين (اللهم إلا ما رحم ربي)، أسعد كثيرًا عندما أجد أن فلانا عين بمنصبه بناء على الكفاءة وقدرته الإدارية وليس بناء على ولاءات معينة أوأنه سليل عائلة أو فئة معينة أوأنه محسوب على أحد المتنفذين، قد يقول قائل بأن الكفاءة تأتي مع الوقت، وأقول له : ما كل حملة بولد!

ما أحوجنا أن نطبق قوله تعالى: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ" (الزمر: 9)؛ حيث نفرق بين الصالح والطالح، ونفرز الغث من السمين، وتكون هناك مؤشرات حقيقية لتقييم الأداء وليس فقط إشراف صوري وتمرير للمسؤول ومجاملات تهدم ولا تبني!

هناك نوع شديد التأثير وهو الشهادات العليا الوهمية أوالمزورة، والتي انتشرت بشكل ملفت في السنوات الأخيرة، حيث حصل الكثير على مؤهلات علمية عليا غير حقيقية وإن كانت توقيعاتها سليمة قانونيا ومتاحة رسميا، لن أشرح عنها أكثر فالمعروف لايعرف، يسميها أحد الأصدقاء : شهادات ليس بجدي واجتهادي.

المشكلة في هذه الشهادات هي تدمير للقيم والمبادئ الأخلاقية هذا أولا، أما ثانيا تخيل معي أن مهندسا مُكلفا ببناء منزلك لا يعرف عن الهندسة الإنشائية إلا اسمها المدون في شهادته، وتخيل إنك مريض ويعالجك من اشترى شهادته بمبلغ وقدره، وتخيل أن القاضي الذي سيحكم لك أوعليك وبذمته الأمانة لا يملك خصال الأمانة، وقسْ على هذا المبدأ أمور أخرى.

قال صلى الله عليه وسلم: "سيأتي على الناس سنوات خداعات يُصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه في أمر العامة رواه ابن ماجه وأحمد، وله رواية بلفظ: السفيه يتكلم في أمر العامة".

المصلحة العامة لأي بلد أوجهة عامة أوخاصة يجب أن تتحرر من قيود شكلية لا تقدم ولا تؤخر، نحن مازلنا دولا نامية من العالم الثالث، علينا أخذ خطط التطوير والبناء بجدية والاعتماد على الثقات الأكفاء من أبناء الوطن ففي وقت الضيق لن يصمد إلا الكفؤ القوي وليس الضعيف الذي لن ينفع نفسه فكيف ينفعك!

قال تعالى: "إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين" (القصص: 26).