.. ورحلت أمي من الرضاعة كافلة الأيتام

‏راشد بن حميد الراشدي

عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية

هي أمي من الرضاعة امرأة بألف امرأة لكل من عرفها وسمع عنها.. عاشت عزيزة النفس تسعى من أجل عائلتها بتجارة بسيطة في سوق الخميس وببعض الأعمال المنزلية كانت رغم ظروفها القاسية وعمرها الذي شارف السبعين مبتسمة قانعة متوكلة على بارئها في كل أمر.

كانت تحيطني باهتمام خاص وتسأل عني من حين لآخر وتفتخر بي بين أهلها.

صابرة قنوعة رغم ابتلائها خاصةً بعد فقد ابنها الوحيد لتعيش من أجل أولاده تسعى جاهدة لرعايتهم وتوفير لقمة العيش الكريمة لهم فكانت عوض الأب لأولئك الأيتام الذين فقدوها اليوم وقد ترعرعت أغصانهم خاصةً بعد أن تزوج بعضهم.

رحلت بهدوء وسكينة فجر اليوم وكانت ليلة البارحة تداعب أحفادها ليختارها الله إلى جوار من رحلوا عنَّا آمنة مطمئنة بإذن ربها ولا نزكي أحداً سوى بما شهدنا عليه من صلاح وتقوى.

كان أبي رحمه الله وأمي حفظها الله يوادانها كثيرا ويأمراني ويذكراني في جميع المناسبات منذ صغري بالبر والإحسان لها ويغرسان في نفسي ذلك المنهاج الصالح لخير البشر نبينا الكريم محمد ‏بن عبدالله صلى الله عليه وسلم في بره لأمه من الرضاعة حيث كانا يُرسلان معي بعض الهدايا ليُعلماني بما عليّ من إحسان تجاه أمهاتنا من الرضاعة.

رحلت ورحلت ابتسامتها ودعائها لي وأولادي وعائلتي الذي أسمعه في كل زيارة أو لقاء معها.

رسائل من علم بعلاقة الأمومة بها لم تنقطع فالكل يعرف صلاحها وكفاحها ومعدنها النفيس فهي لا تنسى رحماً ولا صاحبة لها ولا صاحب معروف قدم لها معروفاً أبدا.

كانت كخلية النحل دائمة العمل والسعي لكسب رزقها ومتزنة في كل أمر ولا تحب الحديث كثيرًا إلا فيما ينفع الناس. رحمها الله وأسكنها فسيح جناته وجعل قبرها روضة من رياض الجنان ورحم أمواتنا جميعًا وأموات المسلمين.

فلقطرات اللبن حكاية عظيمة وشرف للمُسلم الذي اختصه الله بمثل هذه العلاقات الروحية التي تبقى رباطًا أبديًا في عالم تداعت عنه كل روابط الخير والرحمة والطمأنينة.

تعليق عبر الفيس بوك