من المهم القضاء على الروتين!

 

عبد الله العليان

من المسائل التي تُعيق انسياب العمل الإداري والمالي وعدم تبسيط إجراءاته، ظاهرة مشكلة "الروتين"، التي تتسبب بدرجة كبيرة في إعاقة النشاطات العملية؛ سواء في المجال الإداري أو المالي، أو الاستثمار والذي يعد أحد أبرز المشكلات التي تقف في وجه حركة التنمية ونجاحاتها، أو ما سُمي بـ"البيروقراطية" التي لا شك أنها لا تدخل في بلد إلا وأسهمت في جمود ما يحتاجه هذا البلد أو ذاك من تسهيل وتبسيط حركة النشاط الاستثماري وتبسيط للإجراءات، وغيرها مما يُسهم في نجاح التنمية بصفة عامة.

وقد أكد حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بعد توليه الحكم على أهمية انسيابية العمل الإداري والقانوني، بعيداً عن البيروقراطية والروتين، وتطبيقها في جهاز الدولة، ومنها تبسيط وتسهيل الإجراءات، وقال جلالته في هذا الصدد ما نصه: "إننا عازمون على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين وآليات وبرامج العمل وإعلاء قيمه ومبادئه وتبني أحدث أساليبه، وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة؛ لضمان المواءمة الكاملة والانسجام التام مع متطلبات رؤيتنا وأهدافها، وسنعمل على مراجعة أعمال الشركات الحكومية مراجعة شاملة بهدف تطوير أدائها ورفع كفاءتها وتمكينها من الإسهام الفاعل في المنظومة الاقتصادية، وسنهتم بدراسة آليات صنع القرار الحكومي بهدف تطويرها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا، وسنولي هذه الجوانب كل العناية والمتابعة والدعم". إن هذا التوجه الذي حدد جلالته حفظه الله من الضروري الالتزام به، واستمداد الفهم الصحيح منه من أجل التطبيق.

ومنذ عدة أسابيع كان لي حاجة لبعض الإجراءات والتعديلات في المنزل، وتطلب الأمر مني الذهاب إلى المديرية العامة للإسكان بصلالة، وهي الجهة المسؤولة عن التخطيط العمراني في مجال البناء، فقدمت الطلب للدائرة المعنية، ففوجئت بأن المسؤول المعني، طلب مني الذهاب للبريد لتقديم الطلب! فلايُمكن أن ينتهي طلبي إلا من خلال إجراءات البريد الحكومي، فذهبتُ للبريد وأبلغتهم بطلبي، فأعطوني ورقة أكتب فيها ما هو الطلب المحدد، مع عدة طلبات مذكورة في هذه الورقة وأرفقها بجملة من الوثائق التي تقدم مع الطلب! وهذا يعني أنه لابُد من الرجوع مرة أخرى والعودة لاستكمال بقية الإجراءات بالبريد.

تابعت الموضوع لعدة أيام واستكملت الإجراءات بعد دفع الرسوم، ثم بعد عدة أيام رجعتُ للإسكان مرة أخرى لاستكمال بقية الإجراءات. والحقيقة أنَّ هذه الطلبات الفنية والتخطيطية، يفترض ألا تكون عبر البريد، لأنها كلها تستكمل في الإسكان الجهة المعنية؛ لأنها إجراءات لموافقات تتعلق بقضايا ترخيص لتعديلات، ضمن محددات معروفة وبها موافقة مسبقة وليست جديدة، ويفترض دفع الرسوم هناك وليس في البريد، والذي نعرفه أنه منذ عدة سنوات، تم استحداث خدمة لمن يرغب في تقديم طلب للحصول على أرض سكنية، أن يتم متابعتها عن طريق البريد، وربما بهدف تخفيف ازدحام المتقدمين لطلبات الأراضي، وهذا لا بأس به، فتلك فكرة معقولة ومقبولة، لكن مسألة إضافات أو تعديلات بعض الأمور الفنية والموافقات التخطيطية لها، لا تتطلب الذهاب إلى البريد الحكومي، ومن ثم التسجيل، وبعده دفع الرسوم ثم العودة مرة أخرى، وتتابع هناك لعدة أيام. ولذا أرى أن الأولى أن يتم هذا عن طريق الإسكان الجهة المعنية، فلا يوجد ازدحام على هذه الطلبات، والأمر فني فقط، وليس أمرا آخر مع سهولة تخليص الأمر في يوم أو يومين.

البعض قال لي ربما أن بعض الجهات المسؤولة تريد تحريك البريد، بعد أن ظهرت الكثير من الشركات التي تعمل في البريد لإرسال الطرود وغيرها من الرسائل السريعة، من كل القارات، فقلت هذا ليس حلاً.. أن نعقد الإجراءات في بعض المهام تتعلق بالتخطيط الفني، من أجل تشغيل جهات أخرى.. أيعقل ذلك؟! البريد قائم بمهام عديدة وأعرف ذلك من خلال تعاملي معهم، وما تقوم به الجهات الخاصة المرخصة بأنشطة البريد، يقوم بها البريد المركزي، وكما أعرف أن نشاطه جيد، وله زبائن كثيرون، دون أن يضاف إليهم هذا العمل الفني، والذي يجب أن تتابعه كاملاً الجهة المعنية، ولا داعي لتعقيد الإجراءات وعدم تبسيطها، مع أنَّ الرسوم التي تم وضعها على هذه المتابعة تدفعه في الإسكان، فمسألة تحريك البريد المركزي لمثل هذه المهام، يحتاج إلى إعادة نظر بجدية، وتبقى فقط طلبات الأراضي يمكن أن تستمر بالبريد.

في هذا العصر.. عصر السرعة، لا بُد أن نُزيل ما يعيق كل حركة التنمية وتسهيل الإدارة وتبسيطها دون أن يخل بالعمل وانسيابيته، وليس أن نستحدث بعض الإجراءات التي ليست ضرورية؛ بل تتسبب في التعقيد وتزيد من الروتين دون أن تُحقق شيئاً، سوى تأخير صاحب المُعاملة، أو أنَّ الجهة تبقى تدور في مهام تنتقل من جهة حكومية معنية، إلى البريد، والعودة إليها مرة أخرى، مع أنَّ الأمر لا يحتاج لذلك ولا يُساهم في تبسيط وتسهيل الإجراءات، وهذا أكد عليه جلالته- وفقه الله- كما أشرنا إلى ذلك آنفاً، في خطابه الذي ألقاه يوم الثالث والعشرين من فبراير 2020. وهذا ما يجب أن يتم تطبيقه فعلياً في مؤسسة الدولة ومرافقها المختلفة.