حمود بن علي الطوقي
على مدار أكثر من عام والعالم الإسلامي من الخليج إلى المحيط مدمن على متابعة أحداث المسلسل التركي "أرطغرل" الذي يتحدث عن حقبة تاريخية لبداية تأسيس الدولة العثمانية على يد عثمان بن أرطغرل هذا المسلسل الذي تتمحور أحداثه يقع في أكثر من 500 حلقة ورغم ذلك تسمر الآلاف لمتابعة أحداث هذا المسلسل. وأجزم بأن الرئيس طيب أردوغان نجح في توجيه البوصلة بتوجيهه بإنتاج هذا العمل الضخم وترجم لأكثر من ثمانية لغات.
قبل عشر سنوات سيطرت المسلسلات التركية وغزت الجمهور العربي بل وسحبت البساط من الدراما العربية ورغم أحداثها المثيرة إلا أنها كانت بعيدة عن المبادئ الإسلامية وتأثر المشاهد العربي بأحداث هذه المسلسلات والتي ركزت في رسالتها بعيدة كل البعد عن المبادئ الإسلامية. أذكر في العام 2017 تم توجيه دعوة لي للمشاركة في أعمال المنتدى الإعلامي العربي التركي وشارك في هذا المنتدى قرابة 400 إعلامي من مختلف الدول العربية ومن مختلف وسائل الإعلام التركية.
طُلب مني أن أقدم ورقة عمل عن تأثير المسلسلات التركية على المشاهد العربي وشاركني في الجلسة الممثلة سونغول أودان (الشهيرة بشخصية نور)، والممثل التركي كيفانش تاتليتوغ (الشهير بشخصية مهند)؛ حيث تفاجأت بوجودهما معي في نفس الجلسة، ورغم انتقادي اللاذع للمسلسل والممثلين فقد تقبلا وجهة نظري برحابة صدر، وكنت أتمنى أن توجه الجهود للاستفادة من الإمكانيات الكبيرة لتعريف الجمهور العربي بالإرث الحضاري والتاريخي لجمهورية تركيا التي تعاقبت عليها العديد من الحضارات الإنسانية.
الرئيس رجب طيب أردوغان شعر بأهمية التاريخ العثماني وأمر بإنتاج مجموعة من المسلسلات التركية التي تنقل الواقع فهناك مسلسلات أنتجت وأساءت للسلاطين العثمانيين لهذا جاء مسلسل "أرطغرل" ليصحح التشوهات عن الشخصيات والفتوحات التي قادها الأتراك.
بدأت متابعة أحداث مسلسل "أرطغرل" تلبية لتوصية العديد من الأصدقاء ومن أفراد أسرتي، ولم أكن أتوقع أنني سوف اتسمر أمام الشاشة لمتابعة سلسلة حلقات ولكن التمثيل الراقي والحبكة التي رسمت مجرى أحداث المسلسل كانت كفيلة لأنضم لركب المتابعين لهذا العمل الدرامي الضخم.
الرئيس أردوغان كان له الفضل في إنتاج هذا المسلسل وصرفت الحكومة التركية الملايين من أجل أن تتضح الصورة الحقيقية للإمبراطوية العثمانية. لا أدري بالتحديد وجه الشبه بين أرطغرل الذي ينتمي إلى القبائل البدوية وصارع من أجل تحقيق العدالة ومحاربة الظلم والقضاء على الكفار، وبين الرئيس طيب أردوغان التي يتزعم حزب العدالة والتنمية، ولكن هناك مساحة متحركة بين الزعيمين يشتركان في بناء الدولة التركية، رغم اختلاف الأزمنة.
شخصيًا معجبٌ بتركيا كبلد وزرتها أكثر من مرة، وفي كل مرة اكتشف فيها ما يزيد إعجابي بهذا البلد المسلم العريق.
زيارتي الأولى لتركيا كانت في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، حيث كانت بلدًا لم يبدأ نهضته التي نشاهدها اليوم، رغم مكانتها الحضارية بين الشعوب، وكان الجانب الاقتصادي ليس بنفس الحال الآن، وكانت تعيش تركيا آنذاك في ظروف صعبة جعلت من المواطن التركي يجول ويصول في بقاع الدنيا باحثاً عن لقمة العيش التي لم يجدها في بلده.
تركيا اليوم في عهد أردوغان رقم صعب بكل ما تعنيه الكلمة، وتحققت في تركيا تحت قيادته إنجازات ضخمة ونهضة تنموية في مختلف مجالات الحياة، تركيا اليوم أنهت ديونها تماماً وتربعت على الخارطة الاقتصادية وأصبح ترتيبها عالميا ضمن أفضل 20 بلدًا حسب التصنيفات العالمية.
يعود الفضل فيما تحقق في تركيا من إنجازات ضخمة لحزب العدالة والتنمية الذي وصل إلى السلطة عام 2002 ليرث إرثا مثقلا بالديون والمشكلات الداخلية، كانت تركيا قبل حزب العدالة والتنمية تعيش أزمة خانقة سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وكانت الحكومة التركية مثقلة بالديون وكانت تقف متسولة أمام صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. والآن، من حق المواطن التركي أن يفتخر ببلده ومن حقنا كشعوب عربية أن نفتخر أيضا بالإنجازات التي تحققت على المستوى الاقتصادي والسياسي. تركيا تحتل الآن ترتيبا متقدما ضمن أقوى اقتصاديات العالم ودخلت مجموعة العشرين وتتطلع لأن تكون ضمن العشرة الكبار مع حلول عام 2033 كما تعهد الرئيس أردوغان.
تركيا اليوم دولة جاذبة للسياحة، وحسب التقريرات العالمية من منظمة السياحة العالمية فإن تركيا تحتضن نحو 40 مليون سائح سنوياً (قبل أزمة كورونا) نظرا لتنوع مناخها وتعدد المكتسبات السياحية المتنوعة تاريخية وحضارية وطموحها أن تستقطب 60 مليون سائح، كما ذكر أردوغان في أحد خطاباته.
المتتبع للنهضة التركية يلاحظ أن حزب العدالة والتنمية استطاع أن يكسب الرهان وخلال الـ15 سنة الماضية أصدرت تركيا حزمة ومنظومة من التشريعات التي ساهمت في تشجيع المستثمرين الأجانب وتنمية العلاقات الاقتصادية والاستثمارية مع مختلف الدول.
ما يجعل من الحكومة التركية أن تستحوذ على العلاقات الاقتصادية إطلالتها على المنافذ البحرية وكذلك ربطها بشبكات طرق واسعة وقربها من دول مهمة تربطها تجارية؛ حيث بلغ حجم المعاملات التجارية بين تركيا ومختلف دول العالم 60 مليار دولار، وإذا نظرنا إلى هذا الرقم الضحم نرى أهمية التجارة مع تركيا وهي لا تصدر نفطاً ولا طاقة وإنما تصدر تكنولوجيا لتدخل حلبة المنافسة مع الدول الصناعية مثل اليابان وكوريا.
تركيا تحرص على تنويع الشركاء الاقتصاديين وحققت توازنا مع دول الاتحاد الأوروبي ومحيطها العربي والإسلامي، فتوجهت إلى فتح أسواق في المناطق الآسيوية وهذا الانفتاح يعطي تركيا زخما اقتصاديا كبيرا على مختلف المستويات.
يهمنا ونحن نتحدث عن تركيا أن نهتم بهذا البلد ويحب أن تسارع السلطنة للاستفادة من السوق التركي الضخم وتعطيه أولويتها خلال الحقبة القادمة مع تركيا، والشعب التركي في المقابل ينظر إلى السوق العمانية بصورة إيجابية ويمكن أن تتحقق شراكة حقيقية واستراتيجية نظراً لأن مستوى العلاقات السياسية بين البلدين ممتازة، ولكن لم ترقَ بعد إلى المستوى المطلوب في الجوانب الاستثمارية والاقتصادية.
علينا أن نوجه البوصلة نحو تركيا ونركز في تنمية العلاقات في الجوانب التي تعطينا قيمة مضافة كالتوجه إلى الشراكة مع تركيا في القطاعات الصناعية وإقامة المناطق الصناعية الحرة ببن البلدين، كما إن أطر الشراكة مع تركيا يجب أن تتسع لتضم الجوانب السياحية والتعليمية والثقافية كون أن السلطنة بلد عريق ولديه مخزون حضاري وثقافي.