التفكك الأسري

 

رحمة بنت منصور الحارثية

إخصائية نفسية

 

التصدع الأسري أو تصدع الأسرة وتحطمها عبارة عن حدوث خلل أو صدع داخل الأسرة سببه أنَّ أحد الوالدين أو كلاهما قد تخلى عن دوره الأساسي، ونتج عنه الانهيار التربوي الرئيسي الذي يُعتبر الاساس في إنشاء وتربية الأفراد داخلها.

والجو السائد في الأسرة المفككة هو النزاعات وإهمال الأطفال وسوء مُعاملتهم بشكل مُستمر مما يعرض الأفراد إلى عدم تلبية احتياجاتهم الجسدية والنفسية وغيرها من الاحتياجات الضروري توفرها لبناء الأسرة.

أما تأثير التفكك الأسري على النمو الجسدي والنفسي على الأفراد، فإنَّ نمو الطفل وسط بيئة أسرية تزخم بالنزاعات والمشادات بين بعضها ينتج عنه أفراد يعانون من مضاعفات نفسية وجسدية. مما يزيد من نسبة إقبال أفرادها على طريق التعاطي للمخدرات وغيرها، كمهرب من المناخ الأسري ولكن في الحقيقة، هذا المهرب لا يتعدى سوى لحظات ونتائجه مريرة على المدى البعيد إن تركت دون حلول.

وهنا نسأل: هل الأبناء الذين تعرضوا للتفكك الأسري يكونون آباء يُعنفون أبناءهم مستقبلاً؟ الإجابة: لا للتعميم، لكن الأفراد الذين يتعرضون للنزاعات الأسرية والأجواء المشحونة بشتى صنوف الأذى الجسدي والنفسي يكونون أكثر عرضة لأن يُعاملوا أطفالهم مستقبلاً ذات المُعاملة فيما لو لم يتلقوا الدعم النفسي الكافي لإخراجهم مما تكبدوه في الماضي. كم من طفل تعرض للإساءة من قبل أحد والديه أو كلاهما حمل معه كل تلك اللحظات العصيبة وترجمها في أطفاله وهكذا تتكرر ذات الحلقة تاركةً أفرادا لا حول لهم ولا قوة سوى أنهم نشأوا في أسرة كان التفكك الأسرى السمة الأبرز فيها.

وهناك أنواع من التفكك الأسري، أولها التفكك النفسي: ويُدعى بالتفكك المعنوي؛ أي أن الوالدين موجودان جسدياً بالأسرة. مع تواجد الخلافات المستمرة داخل الأسرة بحيث لا يشعر الأطفال بمشاعر الانتماء الأسري. يتسبب بنوع من الاضطرابات التي تنعكس على الأطفال وشخصياتهم لعدم اكتراث الوالدين إلى أساليب وأساسيات التربية السليمة للأطفال وهناك التفكك البِنائي؛ وهو أن يكون أحد الوالدين غائباً عن الأسرة سواء عن طريق الانفصال أو الانشغال عن الأسرة بشكل كبير أو في حالة وفاته.

أما التفكك الأسري الجزئي، فيحدث بسبب حالة الانفصال بين الأب والأم أو الهجر المتقطع أو الطلاق المتكرر بحيث عندما يعود الوالدان لبعضهما تبقى حياتهم مهددة بين وقت لآخر بسبب تكرار الخلافات الدائمة بينهم.

وفيما يتعلق بالتفكك الأسري الكُلي، فينتج عن الطلاق دون سبيل للعودة بسبب تعدد مرات الطلاق.

لكن ما أسباب التفكك الأسري؟ الطلاق أو الوفاة لأحدهما أو كلاهما وإدمان أحد الوالدين أو سجن أحد الوالدين أو الهجرة أو انخفاض دخل الأسرة أو تدخل طرف ثالث في أمور الزوجين أو عدم التوافق بين الزوجين أو المشاكل الزوجية أو غياب الأب وغياب دور الزوج أو الأب بالأسرة والوالدين الحاضرين الغائبين وعدم الشعور بالأمان أو الكوارث أو عدم العدل في حال تعدد الزوجات وغيرها، كل هذه تعد من أسباب التفكك الأسري.

وللتفكك الأسري آثار عديدة سواء على شخصية أفراد الأسرة والمجتمع، فالفرد المتأثر في الأسرة ينقل تأثره للمجتمع بحيث تكون لديه نظرة مشوشة عن القيم الإنسانية التي لابد أن يتسلح بها الفرد وتظهر في علاقاته بالمجتمع.

وفيما يتعلق بالتفكك الأسري ونتائجه العكسية على الفرد والمجتمع، نقول: ينشأ أفراد لم يتلقوا الدعم النفسي والجسدي والوجداني الكافي كأفراد من حقهم أن ينعموا بحاجاتهم الطبيعية كأفراد وسط بيئة حاضنة تكفل لهم سبل الحياة بطريقة سليمة. ومفاهيم التعاون والرحمة والمسامحة والصفاء والعمل الجماعي تكون غائبة لديهم لم يكتسبوها داخل أسرتهم، تجعل منهم أفرادا يتمردون على القيم والمفاهيم السائدة في المجتمع مما يُؤثر على علاقاتهم مع الناس بشكل كبير ويساهم بزعزعة وتصدع داخل المجتمع وأي بيئة يتواجدون فيها، والأسرة المتماسكة لها دور في بناء الأشخاص والمجتمعات واستقرارها.

تعليق عبر الفيس بوك