الأشهرُ الحُرُم‎

 

أنيسة الهوتية

أنهينا شهرًا مِن الأشهر الحُرم وأفتتحنا أخرى، غُرة ذو الحجة من السنة الهجرية 1442. والتي تليها مُحرم غُرةً  السنة الهجرية الجديدة 1443، وحظيت الأشهر الحُرمُ الأربعة بكرامةٍ عن باقي الأشهر؛ بأن لها مكانةٌ عظيمة عند الله تعالى، وقال سبحانه عَزَ وَجَل: (إن عِدةَ الشُهورِ عِندَ اللهِ اثنا عَشَرَ شَهراً في كِتابِ اللهِ يومَ خَلقَ السَماواتِ والأرضَ مِنها أربعةٌ حُرمٌ ذَلِكَ الدينُ القَيمُ فَلا تَظلِموا فيهِن أنفُسَكُم وَقاتِلوا المُشركينَ كافةً كَما يُقاتلونكم كافةً واعلموا أن الله مَعَ المُتقين). وحينَ قال ربُ العزة سبحانه: (فلا تظلموا فيهن أنفسكُم) فإنه أكد وأبلغَ أن المعاصي في هذه الأشهر تُغلظ ثم تُرفعُ.

وقال القرطبي رحمه الله: لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب؛ لأن الله سبحانه إذا عظم شيئًا من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين صارت حرمته متعددة فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيء، كما يضاعف فيه الثواب بالعمل الصالح، فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام، ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام وليس من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال. وَعَن ابن عباس رضي الله عنه: اختص الله أربعة أشهرٍ جعلهن حراماً، وعظم حُرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم.

ولَكِن للأسف الشديد الأشهر الحُرمُ لا تحصل على أقل تقدير من المسلمين، وتكاد تكون الثقافة الدينية للأشهر الحرم مختفية من الأعراف والمجتمعات الإسلامية! فترى كُلاً يعيشُ هواهُ فيها غير معتبر لما يمر بهِ. وهناك من لا يعلم أيُ شهرٍ هجريٍ يمر الآن!؟ ولا يحسبون منها غير شهر رمضان، وبعده أيام عيد الفطر، ومن ثم عيد الأضحى في العاشر من ذي الحجة! وأيضاً إجازة رأس السنة الهجرية التي مفادها غرة محرم دون معرفة ماذا يعني شهر مُحرم! بل إن الأغلب إن سألته ما هي الأشهر الحرم وكم عددها، سيذكر لك شهر رمضان! وشهر رمضان ليس من الأشهر الحرم، بل هو شهر الصوم المفروض الذي يُعَدُ رُكنٌ ثابتٌ من أركان الإسلام الخمسة، وهو شهر التوبة والغفران وشهر نزول القرآن، فإذا كرامة شهر رمضان مختلفة عن كرامة الأشهر الحُرم.

وفي الأشهر الحرم الصحابة والتابعين والسلف الصالح كانوا يزيدون تقواهم، وعباداتهم، ويتحرون الأعمال الصالحة طمعًا في رضى الله سبحانه وكسباً للأجر العظيم، حتى أن أغلبهم لم يكن يرفع صوته أو يشادد في أمرٍ ما، أو يؤذي أحدًا بقولٍ مهما كان بسيطًا خشية أن يتفاقم عليه فعله أو يغلظ ذنبه عند الله تعالى.

وَفي صحيح البخاري، عن الرسول صل الله عليه وسلم قال: (الزمانُ قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنةُ اثنا عشر شهراً، منها أربعةٌ حُرمُ، ثلاثة متواليات: ذوالقعة، وذوالحجة والمحرم، ورجب مُضَرَ، الذي بين جُمادى وشَعبان). وأما شهرُ مُحرم فهو الشهر الوحيد الذي يُنسبُ لله تعالى فُيقال حين ذكره: "شهر الله المُحرم" إدلالاً على خصوصيته وحُرمته وتشريفًا له. وكما قال السلف الصالح أن أفضلية شهر محرم تأتي بعد أفضلية شهر رمضان المبارك.

وللأسف الشديد كل تلك الكرامات في تلك الشهور الكريمة لا يتبعها المسلم، وكأنه يجتازُ طريقًا وسطه مكافآت كثيرة لامقطوعة ولاممنوعة ولكنه لا يلتفت لها ولا يعلم بوجودها حتى!

السنة الهجرية ليست مجرد أرقام وتواريخ، بل هي برنامجٌ لمكافأة العبد المسلم والذي على كل إنسان مسلم أن يحسب تواريخ هذا البرنامج حتى يحصد مكافآته.