على بن سالم كفيتان
تُعد السلطنة والمملكة العربية السعودية واليمن من أقدم الكيانات السياسية في المنطقة، وتتمتع بكثافة سكانية جيدة من حيث نسبة السكان الأصليين إلى عدد الوافدين؛ فهي لم تتخطَ الـ50%، وتحوز تلك الدول الثلاث نصيب الأسد من مساحة الجزيرة العربية، ويوجد بها استقرار سياسي منذ 50 عامًا، إذا استثنينا الوضع في اليمن وتقلباته، وخاصة في آخر عشر سنوات، عندما تأثر بما بات يُعرف بـ"الربيع العربي"؛ لذلك تُعد زيارة جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله- للمملكة العربية السعودية حدثاً متوقعًا، لكنه يحدث في وقت استثنائي، ومن هنا أخذت الزيارة بُعدها السياسي والاقتصادي والإقليمي، إضافة لكونها الزيارة الرسمية الأولى لجلالته منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد.
لا شك أنَّ سقف التوقعات عالٍ في كلا البلدين لنتائج هذه الزيارة، فالسلطنة تُعاني من ظروف اقتصادية غير مسبوقة مما اضطرها لاتخاذ إجراءات صارمة للحفاظ على السلامة المالية للبلادـ مما ألقى بظلاله على الكثير من القطاعات وخاصة القطاع الخاص الذي تراجع أداؤه مع تلك التدابير التي اقترنت بتفشي جائحة كورونا وما صاحبها من إغلاقات للأنشطة الاقتصادية الحيوية، ولذلك يعول القطاع الخاص في سلطنة عُمان على هذه الزيارة لإعادة إنعاش الاقتصاد العُماني مع المملكة التي تُعد ضمن أقوى 20 دولة من حيث النمو الاقتصادي في العالم، وبذلك فهي الممثل الوحيد للعرب في مجموعة العشرين. ولا شك أن الانفتاح الاقتصادي بين البلدين سيوفر فرصًا استثنائية للبلدين في مجال القطاع الخاص؛ فالسلطنة تمتلك ميزة الاستقرار السياسي، والموقع الجغرافي وتوازن العلاقات السياسية وكلها نقاط قوة ناعمة تستطيع من خلالها إيجاد أدوار تكاملية مع الشقيقة السعودية.
ثمَّة رغبة صادقة لدى المملكة العربية السعودية لإنهاء النزاع في اليمن، وتولدت قناعة سياسية راسخة بأنَّ السلطنة تستطيع أن تلعب دورًا غير تقليدي في هذا الملف الشائك، ويمكننا القول إن المملكة تعوِّل على السلطنة في لعب دور محوري لإغلاق هذا النزاع الذي كلف المملكة الكثير من التبعات السياسية والاقتصادية، ومن هنا يتوقع المراقبون أن تبذل السلطنة جل طاقتها لرأب الصدع بين الفرقاء اليمنيين، وعودة الاستقرار لليمن الشقيق. ويمكن للسلطنة أن تقوم بهذا الدور في ظل تتمتعها بثقة كل الأطراف المتنازعة في اليمن بعد أن أبدت المملكة رغبتها في طي هذه الصفحة. ومن خلال هذه النافذة يمكن استثمار الفكر السياسي، وتوظيف نتائجة لما فيه مصلحة البلدين، وبناء علاقات متوازنة بين الكيانات السياسية العريقة الثلاث في جزيرة العرب (عُمان- السعودية- اليمن)؛ وهذا بلا شك سيصب في مصلحة الجميع.
سيكون ملف العلاقات الإقليمية حاضرا وخاصة مع بدء انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من المنطقة، وسحب دعمها المباشر وهذا يفرض تصالحا تاريخا مع جمهورية إيران الإسلامية وبناء الدول التي تأثرت بالربيع العربي، والتدخلات الإقليمية مثل سوريا والعراق وليبيا تمهيدًا لعودة الاستقرار السياسي بعد أن هبت رياح التغيير فاقتلعت معها أنظمة، لكنها لم تحدث تغييرًا جوهريًا؛ بل تركت خلفها دولًا ممزقة وشعوبًا مشردة، ونتوقع عودة الجمهورية العربية السورية لجامعة الدول العربية في هذا السياق، ودعم النظم السياسية في العراق ولبنان وليبيا والسودان من أجل عودة الاستقرار للمنطقة العربية. ومعروف أن المملكة العربية السعودية تمثل قطب الرحى في العلاقات العربية والإسلامية، ولديها كل الممكنات لدفع كل تلك الملفات ويمكنها استثمار العلاقات السياسية العُمانية المتزنة مع الجميع.
نعتقد أن الزيارة ستزيد من قوة وتأثير دول الخليج العربي في القرار السياسي والاقتصادي الإقليمي والدولي، وستمنح دول مجلس التعاون ميزة تم العبث بها خلال السنوات الأخيرة عبر خلخلة أواصر الترابط بين الدول الست، وإيجاد مناخ سياسي غير ودي، انحرف ببوصلة التكامل المنشود بين هذه الدول بعيدًا، فصارت العلاقات الثنائية أو الثلاثية محط أنظار الأطراف الأخرى وتوجسها من أي تقارب بين أي دولتين، وغالبًا ما يتم وضع ذلك على حساب الآخرين، لكن زيارة جلالة السُّلطان إلى المملكة لا يمكن وضعها ضمن هذا الإطار، حسب المعطيات السياسية والاقتصادية التي تم الإعلان عنها، وليس من مصلحة البلدين خلق بؤر جديدة للخلاف في الجسد الخليجي المتداعي منذ عشر سنوات والمأمول من بقية الشركاء في دول الخليج أو الشركاء الإقليميين كجمهورية إيران الإسلامية النظر للقاء كفرصة لتنقية الأجواء، وإيجاد واقع جديد يُساهم في عودة الاستقرار والرفاه لشعوب المنطقة.