الرؤية- أسعد اليعقوبي
تزخر المملكة العربية السعودية الشقيقة بالعديد من المقومات الصناعية والاستثمارية التي توفر الاحتياجات اللازمة، وفي مقدمة هذه المقومات: رأس المال، وتوافر الطاقة، والأسواق، والمواد الأولية، إلى جانب التشريعات والقوانين الداعمة للقطاع الصناعي وطرح الحوافز المشجعة على النهوض بهذا القطاع، ومن شأن التعاون العماني السعودي في هذا الجانب، أن يعزز من نمو القطاع الصناعي في السلطنة؛ حيث يمكن للمُصنعين العمانيين عقد اتفاقيات شراكة مع نظرائهم السعوديين، فضلا عن إمكانية تبادل الخبرات في تجارب المدن الصناعية والتنمية الصناعية الشاملة.
وتهدف الحكومة السعودية عبر تعزيز القطاع الصناعي إلى تنويع إنتاج السلع، بحيث تكون قادرةً على التنافس مع سلعٍ أخرى مستفيدةً من الحوافز التشجيعية، إضافة إلى التوسع باستخدام التكنولوجيا العالمية الحديثة؛ إذ تساهم هذه التكنولوجيا بزيادة الإنتاج وتحسين جودة السلعة، والاعتماد على الأيدي العاملة السعودية من خلال عمل برامج التدريب، وتشجيع التعليم الفني والعام للتقليل من الاعتماد على العمالة الخارجية، إضافة إلى التعاون مع مختلف القطاعات الصناعية في البلاد للاستفادة من ميّزات كل قطاع.
وتحتضن المملكة الكثير من المناطق الصناعية التي تسهم في توسيع القاعدة الإنتاجية وتنويع مصادر الدخل، ويبلغ عدد هذه المناطق 51 مدينة متوزعة في أنحاء المملكة منها 30 مدينة صناعية و5 واحات مدن و4 مناطق تقنية و12 مدينة خاصة، وتشرف عليها الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية "مدن" التي أنشئت عام 2001، وذلك بموجب قرار مجلس الوزراء الصادر في 26 مارس 2001، بهدف تقديم المنتجات الصناعية واللوجستية والخدمية والتمويلية. كما إن المملكة تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الصناعات العسكرية والأسلحة والذخيرة والطيران، وصناعة تكرير البترول ونقله واستكشافه، إضافة إلى صناعة البتروكيماويات، وهي الصناعات التي تعتمد على النفط مثل صناعة البلاستيك، والأسمدة، والمبيدات الحشرية وغيرها.
ويؤكد مختصون أنَّ المملكة أولت التنمية الصناعية أهمية كبيرة، وقدمت لها جميع وسائل الدعم والتشجيع، ونتيجة لذلك حققت الصناعات السعودية إنجاوات متزايدة، تتمثل بصورة أساسية في التطور الذي شهدته الاستثمارات الصناعية خلال السنوات القليلة الماضية، مما أكد متانة وقوة الاقتصاد المحلي والجدوى الاستثمارية ذات العوائد الربحية المحفزة لراغبي الاستثمار في السوق السعودي وخاصة القطاع الصناعي.
وقال إبراهيم آل الشيخ رئيس لجنة الصناعة والطاقة بغرفة الشرقية في تصريحات لصحيفة "اليوم" السعودية، إن المملكة استطاعت في السنوات الماضية من خلال المجلس الاقتصادي دراسة الوضع الاقتصادي وطرح المعوقات والتوقعات المستقبلية، ووضع حلول لها لتفاديها والسعي إلى التطوير والتنمية، ما نتج عنها احترافية الفكر الاستثماري من خلال المنافسة في الأسواق العالمية عبر المنتجات المصنعة محليًا.
وأوضح المحلل الاقتصادي د. عبدالله المغلوث أن الصناعة السعودية منذ ثلاثينيات القرن الماضي شكلت عنصراً رئيسًا في سياسات التنمية التي انتهجتها المملكة، إلا أنه مع إطلاق رؤية المملكة 2030 حظي ملف التطوير الصناعي بمبادرات نوعية لدعمه والارتقاء به إلى مستويات عالمية. وأضاف المغلوث أن الأهمية الاستثنائية التي اكتسبها القطاع الصناعي تعود إلى كونه الحجر الأساس في تحقيق طموحات المملكة لمضاعفة حجم الاقتصاد وتقليل اعتماده على الموارد النفطية؛ وقد شهدنا تسخير ميزانيات ضخمة لدعم مختلف القطاعات الإنتاجية في كل مناطق المملكة، ترافقت مع إنشاء وتوسع في بناء المدن الصناعية العصرية، والارتقاء بالعديد من الصناعات نحو العالمية، بدءاً من صناعة البتروكيماويات، والبناء والتشييد، والصناعات التحويلية مرورا بالصناعات الاستهلاكية، ووصولا إلى الصناعات التقنية المبتكرة. وهذا ما انعكس بشكل مباشر بزيادة في قيمة الناتج المحلي غير النفطي للمملكة والتي بلغت 1.8 تريليون ريال سعودي عام 2016، لتسجل لاحقاً نمواً متسارعا خلال السنوات الثلاث الماضية، وبنسبة 1.3% عام 2017، و2.2% عام 2018، و4% مع نهاية الربع الرابع من عام 2019.
وأضاف الغلوث أنه في خضم الأزمة الاقتصادية التي ضربت بلدان العالم بعد انتشار جائحة كورونا، خاصة دول الخليج التي تعتمد على النفط، اتجهت المملكة لدعم المنتجات والخدمات الوطنية على المستويين المحلي والعالمي حيث أطلقت وزارة الصناعة والثروة المعدنية في 28 مارس الماضي، برنامج "صنع في السعودية" لتحقيق هذا الهدف. وأتى إطلاق هذا البرنامج لتعزيز المنتجات المحلية ودعمها محليا ودوليا، كما يدعم رؤية المملكة 2030 التي تقلل الاعتماد على النفط، وسيحقق -بإذن الله- الكثير من الفوائد للاقتصاد السعودي.
ومن هذا المنطلق تأتي زيارة كبار المسؤولين من السلطنة مؤخرًا، وعلى رأسهم سعادة أصيلة بنت سالم الصمصامية وكيلة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار للمملكة العربية السعودية في إطار تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارات الصناعية بين البلدين الشقيقين، حيث خرجت الزيارات بمجموعة من الفرص الاستثمارية بلغت ما يقارب 150 فرصة، وبقيمة تصل إلى 15 مليار ريال سعودي وهو ما يعادل 1.5 مليار ريال عماني، تنوعت في قطاعات التطوير العقاري والصناعة والسياحة والثروة السمكية والطاقة المتجددة والبتروكيماويات.
وأكدت الصمصامية في كلمة لها خلال تلك الزيارة أهمية تكامل الجهود بين الرؤية السعودية 2030 والعمانية 2040، مشيرة إلى وجود الكثير من التقاطعات بينهما في التوجيهات بما في ذلك التنوع الاقتصادي، وسعي السلطنة لدعم الاقتصاد عبر تكوين شركات وكيانات اقتصادية مشتركة وقوية، داعية إلى تشكيل فرق عمل تشمل كافة القطاعات الواعدة والتي أبرزها القطاع السياحي والنقل البحري والصناعات التحويلية.
من ناحيته، اقترح رئيس مجلس الأعمال السعودي العماني ناصر الهاجري تشكيل نواة فريق استثماري سعودي عُماني من القطاع الخاص والمختصين في البلدين للبحث في التعاون في مجال تطوير صناعات بتروكيماوية مشتركة ومن ضمنها الصناعات الكيمياوية التحويلية المستهدفة للبلدين، والتغلب على جميع المعوقات التي تواجه المستثمرين في البلدين.
وخلال لقاء الصمصامية مع نبيل خوجة الأمين العام لهيئة المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة الزيارة، تم مناقشة إنشاء منطقة صناعية سعودية في السلطنة، بحيث يقوم الجانب السعودي بتطوير وتشغيل وإدارة المنطقة، وبناء مسارات لوجستية؛ لنقل البضائع بين المناطق الاقتصادية الخاصة السعودية والعمانية والاستفادة من الأثر الاقتصادي المشترك، وتبادل الخبرات في مجال التطوير والإشراف في المناطق الاقتصادية الخاصة.
وبحث الطرفان آفاق التعاون وفرص التكامل في المناطق الاقتصادية الخاصة بين السلطنة والمملكة. وذكرت وسائل إعلام سعودية أن الأمين العام لهيئة المدن والمناطق الاقتصادية بالسعودية، قال إن الاجتماع مع الصمصامية والوفد المرافق لها يأتي في إطار تعزيز التعاون الدولي مع الدول الشقيقة في مجال المناطق الاقتصادية الخاصة، والسعي إلى بناء شراكات استراتيجية وإلى تكامل الأدوار، مبيناً أن للهيئة خبرات في الجوانب الإشرافية والتنظيمية والرقابية في المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة يمكن مشاركتها بين المملكة والسلطنة، لتبادل التجارب بما يسهم في تحقيق أهداف البلدين، وتعزيز الدور الحيوي والمهم الذي بإمكان المناطق الاقتصادية الخاصة أن تلعبه في تحقيق مستهدفات رؤية "المملكة 2030".
وفي ذات السياق، تمثل التعاون العماني السعودي في مجالات أخرى أبرزها المجال العمراني والتخطيطي والاقتصادي والإسكاني، وذلك من خلال زيارة معالي خلفان بن سعيد الشعيلي وزير الإسكان والتخطيط العمراني للمملكة في يونيو الماضي، حيث هدفت الزيارة إلى تبادل الخبرات للنهوض العمراني والعقاري والتخطيطي والاقتصادي والإسكاني المنعكس أثره في الخطوات القادمة والمرجو تحقيقها في الأعوام القادمة، وما تسعى إليه الوزارة في رؤيتها "تنمية عُمرانية مستدامة لمجتمعات مزدهرة". ويُؤكد لقاء معاليه لعدد من المسؤولين في وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان على سعي السلطنة للارتقاء بجودة الحياة والاستفادة من تجارب المدن السعودية وتعزيز التعاون والشراكة والتعرف على تجربة مركز (سكني) ومشاريع الإسكان المختلفة، والإطلاع على مشروع (ضاحية جوان).
