د. عبدالله باحجاج
يبدو العنوان مُستهجنًا منذ الوهلة الأولى، أليس كذلك؟! لكنه يُعبِّر فعلًا عن مضمونه، فقد تابعنا هذه المطالبة عبر الكثير من وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الخاص خلال الأسبوع الماضي- أي أنَّ نطاق رؤيتنا شامل- وجاء بيان سعادة يعقوب الرحبي في مجلس الشورى في جلسته الأخيرة؛ ليفتح المشاركة الاجتماعية في عصر الضرائب بصورة عاجلة، فهل ينبغي أن يترك هذا العصر للحكومة أم ينبغي مشاركة المجتمع معها؟ وهل هذه المشاركة ينبغي أن تُقدم على طبق المِنّة والإكرامية؟ أم أصبحت حقًا أصيلًا للمجتمع في عصر الضرائب؟
نؤكد مع ما ذهب إليه الرحبي أنه عندما تتعلق المسألة بثروات البلاد؛ فإنِّه لا مؤسسة ولا شخصيات ينبغي أن تكون فوق الرقابة، وما يتمخض عنها من مساءلة ومحاسبة، فعصر الضرائب قد أصبح خيار الدولة- لا رجعة فيه- وبالتالي فإنَّ أهم شروطه: المشاركة المُجتمعية بما تستلزمه من شفافية ورقابة ومساءلة، وذلك من أجل ضمانة هذه الثروات وتسخيرها لخدمة التنمية الوطنية المعاصرة، فماذا وراء موقف هذه النخب؟ من المؤكد أنها بنت موقفها من استياءين اثنين هما:
الأول: ضعف أداء مجلس الشورى، وتأصيل هذا الضعف بقوانين جديدة- كما سردها الرحبي في بيانه- والنتيجة المترتبة على تأصيل الضعف، تجاهل الحكومة دوره في السياسات والخطط والقرارات الحكومية التي تؤسس لمرحلة الضرائب.
الثاني: التصريحات المتراكمة للكثير من أعضاء مجلس الشورى البارزين، وخاصة الأخيرة التي وصفت دور الأعضاء بـ"المُراسل".
نتوقف هنا عند 3 اتجاهات أساسية رصدناها حول مستقبل مجلس الشورى، وهي: اتجاه يُطالب بإلغاء مجلس الشورى، واتجاه آخر، يرى الاقتصار على تجربة المجالس البلدية، واتجاه ثالث، يرى أن تطور الشورى كتجربة ديمقراطية خيار استراتيجي لكنه طويل الأجل.
ونبدأ من الاتجاه الأخير؛ لأنه صدر من شخصية سابقة في مجلس الشورى، وكانت تشغل موقعًا قياديًا في المجلس، وشاركت بفاعلية في رؤية "عُمان 2040"، وهى ترى أنَّ النسخة الحالية للشورى في بلادنا ستظل كما هي؛ أي غير ملزمة، مهمتها تقديم الاستشارات الاستئناسية فقط، وقد يُؤخذ بها، وقد لا، وهو ما نشهده حاليًا فعلًا، ويرى أن تطورها مُقننٌ في رؤية "عُمان 2040"، وأن فيها تصور كامل لتطور الشورى في البلاد. وهنا تبدو لنا المُعطيات التي بنيت عليها رؤية 2040، خصوصاً في مجال تطور تجربة تطور الشورى؛ حيث أصبحت متجاوزة الآن بحكم التطورات الداخلية، ولعل أبرزها الانتقال من الدور الرعائي للدولة إلى الضرائب، وسياسة التقشف التي أضرت بالمجتمع والاقتصاد. وهنا نطرح تساؤلًا لابُد منه، وهو: هل تضمن الحكومة أن الظروف والمستجدات الداخلية والخارجية ستعينها على تنفيذ خطتها لتطور تجربة الشورى وفق المدى الزمني الطويل 2040؟
لنا عدة تجارب في هذا المجال يمكن استحضارها للزوم الإقناع، مثل تأسيس النقابات في بلادنا الذي جاء نتيجة مُتغيرات خارجية، ونرى أنَّ المدى الزمني الطويل للتطور غير ضامن للنجاح، ولن نسلم من الإكراهات السياسية.
وفلسفة التدرج بالآجال الزمنية الطويلة، كانت صالحة إبان العقود الماضية، أما الآن، فينبغي أن تنتقل الدول إلى دولة القانون والشفافية والشراكة الاجتماعية، وبلادنا مؤهلة الآن لهذا الانتقال أكثر من غيرها من دول المنطقة؛ لعدم وجود قوى داخلية مُعرقلة من جهة، ولأن تجربتها التنموية الشاملة، وممارساتها الشورية تؤهلها لهذه الانطلاقة، وعوضًا عن المطالبة بالإسراع في هذا التحول، ترى تلكم النخب التراجع عن هذا المنجز التاريخي، وما زلت لم أستوعب حتى الآن المطالبة بإلغاء مجلس الشورى، فكيف نفكر بإلغاء تجربة لها عدة عقود، وقد أُوجدت لتبقى! وهي خيار الشعوب وليس الحكومات، حتى لو جاءت كمنحة مهما كانت خلفياتها.
ولما جاءت المبررات الموضوعية لانتقالها لكامل الصلاحيات، نطالب بهدم التجربة؟!
لم يعد الخيار السياسي متاحًا الآن بإلغاء التجربة، كما إنه لم يعد متاحًا الاستمرار في غياب الشراكة الحقيقية للمجتمع، عندها سنجد أنفسنا أمام مجموعة إكراهات منتجة لتطور تجربة الشورى في بلادنا، متوسطة المدى وليست طويلة الأجل، لذلك من الأهمية الوطنية، التفكير من الآن في إحداث التطور، لكي نستوعبها؛ بل نحتويها قبل أوانها، وإذا لم نحتويها من الآن، فقد تكون فاتورة إداراتها أكبر وقتذاك.
لا يمكن التقليل من التبعات الناجمة من الاستفراد الحكومي بالقرارات في هذه المرحلة، وفي الوقت نفسه، المواطنون يدفعون الآن ضرائب ورسومًا فوق طاقاتهم المالية والاجتماعية، مساهمة في تنميتهم الوطنية، فلا بُد أن يكون لهم كلمة في كيفية فرضها، ونسبتها؟ وكيفية توزيعها؟ الرقابة عليها؟
لقد تغاضى الوعي السياسي خلال العقود الماضية عن التفكير أو المطالبة الفعلية بالشراكة المجتمعية على قدم المساواة مع الحكومة، نتيجةً لدور الدولة الريعي، فربع عوائد النفط والغاز كانت تلبي احتياجات المجتمع الأساسية، وتفتح طموحات كل نخبة تظهر فوق السطح من خلال المناصب أو تدوير الثروة عليها. لذلك، لم تكن هناك مُطالبة جادة بالشراكة الاجتماعية، أما الآن، فإنَّ المشاركة المجتمعية تعد من أهم عوامل الاستقرار المجتمعي، وصناعة الثقة بين الحكومة والمواطنين في عصر الضرائب.
أما الاتجاه الثالث، وهو إلغاء مجلس الشورى والاستعاضة عنه بالمجالس البلدية، يستحق مقال في ذاته، لكننا نشير باختصار إلى أنَّ المجالس البلدية لا يُمكن أن تكون بديلًا عن مجلس الشورى، لاختلاف أدوراهما الاستراتيجية؛ فمجلس الشورى مُؤسسة برلمانية وسياسية، والآن الجانب السياسي يظهر في تمثيل البلاد خارجيًا في البرلمانات الإقليمية والدولية. ومن بين أهم المهام الأصيلة لمجلس الشورى إقرار الموازنة العامة للدولة، وتشريع القوانين والرقابة على الحكومة. أما قضايا الطرق والتشجير والمرافق العمومية لكل محافظة أو ولاية، فهي مسؤولية المجالس البلدية.
إلا إذا ما تحول نظام المحافظات في بلادنا إلى حكم محلي، فيمكن أن تصبح المجالس البلدية، برلمانات أو مجالس للشورى في كل محافظة، وحتى في هذه الحالة، لا غنى عن البرلمان المركزي (مجلس الشورى).. والموضوع يحتاج لمقال أكثر تفصيلًا.