عمره يتخطى 725 سنة.. مسجد الجامع في أدم تحفة معمارية وإرث تاريخي فريد

...
...
...
...
...
...
...

 

أدم - العمانية

يمثل مسجد الجامع بولاية أدم في محافظة الداخلية واحدا من أبرز مساجد الولاية وأوسعها وأهمها من الناحية التاريخية والعلمية والعمرانية، وسمي بالجامع نسبة الى حارة جامع البوسعيد التي يقع فيها المسجد؛ حيث يقع في الجهة الغربية الشمالية من الحارة يتم الوصول اليه عن طريق بوابة الصباح.

ويقول الدكتور سالم بن سعيد البوسعيدي الباحث في التاريخ العماني إن مسجد الجامع، واحد من أهم مساجد ولاية أدم وليس حارة الجامع فحسب، فهذا المسجد قام بأدوار حضارية وعلمية واجتماعية رائدة فضلا عن قيمته التاريخية.

ويذكر الشيخ سيف بن حمود البطاشي في كتابه "الطالع السعيد" والسيد حمد بن سيف البوسعيدي في كتابه "الموجز المفيد" أن تاريخ المسجد يرجع إلى عام 717هـ، نظرا لمؤسسه الشيخ أبي الحسن محمد بن نوح الأزدي، وقد قام بهذا المشروع العظيم لخدمة التجمّع السكاني في تلك المنطقة. بينما يذهب الكتور إيروس بلديسيرا في كتابه "الكتابات في المساجد العمانية القديمة" إلى أن زمن بنائه يعود إلى الثلاثينيات أو الأربعينيات من القرن العاشر الهجري، وتقديره نابع من تشابه محراب المسجد مع محراب "الجامع الكبير" في منح الذي بني عام 941هـ، وصانعه عيسى بن عبدالله البهلاوي.

ولمسجد الجامع قيمة تاريخية مع المسجد المجاور له وهو "مسجد المهلبية" الذي بنته هند بنت المهلب بعد رجوعها مع أسرتها إلى عمان عام 102هـ.

ويقول الدكتور سالم البوسعيدي إن المسجد بني أصلا ليؤدي عملا علميا رائدا، بني ليكون مدرسة علمية جامعة، ولذا تم تخصيص مكان للطلاب وإقامتهم، كما كانت له أوقاف كثيرة تضمن بقاء المدرسة وديموميتها، كما كان فيه بئر ماء، ومكان للجلوس، وفسحة خارجية كبيرة، مما يوحي بأنه صُمم أصلا ليكون معهدا علميا رائدا كما كان في داخله مكتبة من المخطوطات والكتب المتنوّعة. ويضيف أنّ جل علماء أدم تخرّجوا في هذا الجامع، وكان له البصمة الكبرى في النهضة العلمية التي كانت في أدم في عصر اليعاربة والتي اشتهر من أعلامها الشيخ درويش بن جمعة المحروقي والشيخ سالم بن حمد البراشدي والشيخ محمد بن سيف الشيباني والشيخ  سالم بن عبدالله البوسعيدي، والشيخ سالم هو من رعى هذه المدرسة في النصف الثاني مِنَ القرن الحادي عشر، وكان عالمِاً مشهوراً، له أجوبة متفرقة في كتب الأثرـ نظماً ونثراـ وله أرجوزة في الأديان والأحكام والآداب تتجاوز الألف بيت، وكان ذا ثروة مِنَ المال، سخياً كريماً، يُحبُّ العلماء، ويواسي طلبة العلم، ويُكرمهم ويُحسنُ إليهم، وكانت مدرستُه في هذا المسجد عامرةً بطلاب العلم الذين وفدوا إليها من مدن عُمان وتلقوا العلم الشريف على يديه؛ بل تجاوز أثر هذه المدرسة أبناء أدم فوفدوا عليها من كل عمان ومنهم الشيخ عمر بن مسعود المنذري صاحب كتاب "كشف الأسرار المخفية في علم الأجرام السماوية".

وكانت أبرز حلقاته في علوم الدين والفلك والنحو. وعموما ظل المسجد يقوم بأدواره العلمية وممن تولى التدريس فيه في آخر العهد الشيخ محمد بن سالم بن سعيد البوسعيدي.

ويشير الدكتور البوسعيدي الى مكانة المسجد الاجتماعية بقوله: "وجود المسجد عند مدخل حارة الجامع جعل له مكانة معتبرة فيفصله عن الحارة كلها، ليكون متاحا للجميع الوصول إليه. وجعل الصباح ملاصقا للمسجد. حيث تتم مناقشة كل أمور الحياة إضافة على تسمية الحارة باسم حارة الجامع، كان المسجد مكان حياة، وكانت الحياة كلها عبادة، كان أشبه بجامعة علمية، ومجلس بلدي للشورى، وصرح إعلامي للحياة، ومكان عبادة مقدّس.

ويؤكد الدكتور سالم على مكانة المسجد المعمارية بقوله يفتح المسجد ذراعيه مرحبا بزائر "الحارة"، ليكون شعارا ورمزا روحيا ساميا يمنح الزائر تحية تقديس وسلاما مقدّسا لا يمكن هتكه ذلك المكان الذي اختير بعناية فائقة، ليكون رمزا ووشعارا؛ حيث يحيط بالمسجد فناء مسور بجدار يفصل الساحة الخارجية عن باحة المسجد الخارجية ذلك الفصل هو متنفّس حركي، ومكان حوار ومشورة؛ بل هو أيضا مكان للدرس  وخاصة للأطفال بالإضافة إلى أن الفناء يعتبر عنصر اتصال وحركة فهو يصل بين بيت الصلاة والميضأة، كما يحمي أرضية المسجد المنخفضة من دخول المياه واجهة المسجد تكاد تخلو من أية زخارف، وللمسجد بابان بينهما محراب صغيرأما المسجد من الداخل فيحتوى على خمس بلاطات أسطوانية تحمل أقواساً مدببة، تمنح المسجد روحا معمارية بينما ترتفع بالجدار الشمالي والجنوبي للمسجد خمس نوافذ مستطيلة الشكل، فوقها طاقات صغيرة ذات عقود مدببة وبها زخارف هندسية، كذلك في الجدار الشرقي أربع طاقات مزخرفة بزخارف جصية.

أما محراب المسجد فهو مبني من الجص وهو مستطيل الشكل يرتفع حتى ما يقارب السقف، و به ثلاثة إطارات مستطيلة الشكل، الأخير منها تحيط به أختام مزخرفة بزخارف هندسية مرهفة دقيقة، وفوق قوس الــمحراب نجد كتابة متشابكة الحروف.

تعليق عبر الفيس بوك