إنعاش القطاع العقاري وكورونا

 

سالم بن حليس البادي

 

وباء كورونا (كوفيد19) الضيف الثقيل الذي حلَّ على العالم أواخر عام 2019 وأدخله في أزمة عالمية وحالة من عدم الاستقرار العتيد، فتأرجحت القطاعات كافة التعليمية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والتجارية والصناعية ما بين تراجع شديد وانتعاش بطيء وفق متغيرات الواقع المنسوبة لذلك الوباء وما يترتب عليها من المُعطيات والدعم الحكومي المساند لها.

سوق العقار قبل أزمة كورونا

القطاع العقاري لم يكن يرتقي إلى المستوى المطلوب قبل أزمة كورونا، فكان في منحنى متفاوت ومؤشرات غير مُستقرة، فكان ما بين الصعود والهبوط وذلك منذ عام 2014، حيث الأزمة العالمية لسوق النفط وما ترتب عليها من تدنٍ في أسعاره إلى أدنى مستوياته المعهوده، والذي انعكس سلباً على الاقتصاد والأسواق العالمية فكان له الأثر السلبي الكبير على القطاع العقاري.

ولا يغيب عن الأذهان أيضًا صدور بعض القرارات الحكومية ومنها رفع رسوم التصرفات العقارية من 3% إلى 5% بالإضافة إلى الضرائب المفروضة والتعديل على بعض القرارات المُتعلقة بتنظيم هيئة القطاع والاستثمار الأجنبي وترويجه.

كذلك إصدار حزمة قرارات من البنك المركزي العماني للبنوك التجارية ومؤسسات التأمين والتمويل وغيرها لضبط وتنظم سياساتها الإقراضية والتمويلية تماشيًا مع الأزمة العالمية لوباء كوفيد19 للحفاظ على الوضع المالي للسلطنة.

 ومن هذه الإجراءات سياسات التنظيم العقاري وتخفيض التمويل العقاري والحفاظ على السيولة النقدية وغيرها، تلك الأمور قد لعبت دورًا فعالاً في انخفاض حركة التداولات في سوق العقار.

أضف إلى ذلك العزوف الكبير من قبل المستثمرين وتجميد أموالهم بالبنوك خوفًا وترقبًا لأوضاع السوق وتقلباته. وكل ذلك كان له أثر سلبي انعكس على سوق التداولات العقارية وقطاع التطوير العقاري وقطاع البناء والتشييد.

السوق في ظل كورونا

حتمًا أنَّ القطاع العقاري قد تأثر بالأوضاع العالمية المنبثقة من الوباء العالمي (كوفيد19)، حيث تراجعت حركة السوق لمستويات كبيرة. وفي مطلع عام 2020، ولكن بدأت بعض المؤشرات الإيجابية تلوح في الأفق لانتعاش السوق وخاصة مع خطة التوازن المالي التي جاءت بناء على الأوامر السامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- للأعوام (2020- 2024).

لكن مع توسع رقعة انتشار الوباء استمر تدهور السوق العقاري واستمر الركود والانخفاض في الأسعار والتداولات وزادت وتيرة العزوف عن الاستثمار العقاري. واستمر القطاع العقاري يتلقى مزيدًا من الصدمات والأزمات من جراء هذه الآثار السلبية المنعكسة عليه ومنها الآثار الناجمة عن القرارات والإجراءات الصادرة عن اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، وصعود مؤشر الزيادة في مديونية بعض الشركات والمؤسسات، والتعثر في سدادها. ووصل الأمر لدى بعضها إلى عدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها المالية.

قطاع الإيجارات

ومع استمرار تفشي الوباء كان التراجع في أسعار العقارات إلى مستويات متدنية قاسية أمر واقع وحتمي خيَّم على الجميع، ظهر ذلك من خلال التراجع الصريح والشديد في أسعار الإيجارات الذي وصل إلى نسب متفاوتة بين 50% إلى 70% من قيمة الإيجار، زد على ذلك إخلاء الكثير من العقارات بسبب عودة الوافدين لأوطانهم وإنهاء خدمات بعضهم والذي يقدر بعشرات الآلاف في ظل الأضرار الناجمة عن هذه الجائحة وبسبب الإجراءات التي اتخذتها اللجنة العُليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات القائمة على انتشار هذا الوباء كفرض الحجر الجزئي، ومنع الحركة للأفراد، وتخفيض نسبة العاملين للقطاعين الحكومي والخاص، كذلك غلق الولايات والمحافظات، وتعليق رحلات السفر وغيرها من القرارات والإجراءات الأخرى فأصبحت بعض العقارات (البنايات والمساكن) غير مأهولة بالسكان.

السوق في 2021

تطبيقًا لأحد إجراءات خطة التوازن المالي متوسطة المدى (2020- 2024) وضمن مخطط حكومي لإنعاش السوق العقاري وفي ظل المطالبات المستمرة من قبل المهتمين بالقطاع العقاري تم تخفيض رسوم التصرفات العقارية إلى 3% بدلاً من 5%.

وبعد أن أصبح هذا القرار الوزاري سارياً وفاعلاً، وبعد التطمينات بالتوصل للقاح مضاد للفيروس، وشراء الحكومة الرشيده كمية وافرة منه لتطعيم السكان أخذت حركة السوق العقارية مجرى التقدم نسبيًا مع بقائه على مستوى التراجع والانتعاش بين فترة وأخرى وقد يصل لنقطة الركود أحيانًا نتيجة ما يشهده السوق الاقتصادي المحلي والإقليمي والعالمي، وانعكاساتها على جميع المجالات ومن ضمنها العقارات.

مقترحات لإنعاش السوق

أسدلت هذه الأوضاع الاقتصادية خيوطها والتي قد تطول، فكان لابُد من التعايش معها وذلك حسب المعطيات والمتغيرات على أرض الواقع، وحتى تتم عملية نهوض السوق العقاري مرة أخرى واستمرار حركتها المعتادة كان لابد من بدائل وخطوات متضمنة تعديلات وإجراءات لإنعاش السوق ومنها:

أولا: التسريع بتطبيق المعاملات الإلكترونية لتسهيل وتبسيط سرعة إنجاز المعاملات.

ثانيا: تعديل قانون التملك والاستثمار الأجنبي وتمشيا ومتطلبات العصر.

ثالثا: خلق تشريعات وقوانين جديدة مرنة لتسهيل واستقطاب استثمارات محلية وخارجية قادرة على الإسهام في جذب المستثمرين ورؤوس الأموال إلى البلد والإسهام في دعم بيئة العمل بالقطاع الخاص وفتح آفاق واعدة أمام المستثمرين.

رابعا: تعزيز قطاع التجزئة ببعض التشريعات والقوانين المشجعة ليصبح عاملاً مؤثرًا بالقطاع العقاري مع توفير حصة من المساحات ليكون حافزًا للمستثمرين.

خامسا: ضرورة إيجاد التكاملية بين الجهات الحكومية المعنية المختلفة بتوفير البنية التحتية والبيئة المناسبة الصحيحة لجميع المخططات واستعمالها وتطويرها بأحدث المعايير والمقاييس العالمية لأنه أصبح أمرا ضروريًا وحتميًا وعاملا فعالاً في الإسهام بتسريع عملية انتعاش السوق العقاري.

سادسا: إعادة النظر في تخفيض رسوم التصرفات العقارية من 3% إلى 1.5% سيساهم حتمًا في حركة تداولات عقارية بالسوق العقاري بالذات في عمليات البيع والشراء منعكسًا بذلك إيجابيًا في رفد خزينة الدولة.

سابعا: خلق سياسات وقوانين ائتمانية مناسبة سيكون لها الأثر الواسع والملاذ الآمن لكثير من المستثمرين مع تسهيلات مالية لتشجيع وترويج الاستثمار.

ثامنا: خلق فرص حكومية استثمارية بحيث تصبح فرصًا تحفيزية ومشجعة للاستثمار وتطرح من خلال السوق العقاري.

تاسعا: زيادة الدعم الحكومي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بما يتناسب والظروف الحالية للتقليل من الأضرار الناجمة عن آثار الجائحة وتخفيف الأعباء المادية والالتزامات المالية وبالتالي ديمومة المؤسسات وعدم تعثرها.

عاشرا: إقامة وتنظيم أسواق عقارية سواءً إلكترونية أوغير ذلك لتنشيط وزيادة حركة التداولات العقارية.

إن تجدد حركة السوق العقاري ستنعش الحركة الاقتصادية والاجتماعية ويكون ذلك الرافد الاقتصادي الوطني المساهم في زيادة عائدات الاستثمار، وستنتعش جميع القطاعات المرتبطة بالعقار وسوف ترتفع عوائد المطورين العقاريين جراء الوحدات . وكذلك قطاع البناء والتشييد. كما إن الطموح يأخذنا طوعًا للوصول إلى مدن ذكية وصديقة للبيئة وذلك بوجود حزمة من الإجراءات الجريئة التي تبادر بها الحكومة وتكون حافزًا قويًا للمستثمرين لدخول السوق العماني وإنعاش سوق العقار.

تعليق عبر الفيس بوك