من يعبث بأمننا الصحي؟!

 

محمد بن عيسى البلوشي

يُدرك الجميع أن الحكومات في العالم تُسخر إمكانياتها ومواردها البشرية والمالية كافةً؛ لضمان الاستقرار في القطاعات المختلفة؛ سواء أكانت أمنية أم تعليمية أم صحية أم اقتصادية وغيرها من المجالات التي أصبح عنصر استقرارها وديمومتها بمثابة أمن قومي.

واليوم تواجه بلدان العالم أجمع جائحة صحية غير مسبوقة لإنسان هذا العصر، وتُسخر لها الدول كل الإمكانيات والموارد، ومجتمعنا العُماني يعيش مع  العالم هذه الأزمة وتحاول حكومتنا التعامل مع كافة التطورات والتحورات التي يشهدها الفيروس.. ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: من الذي يعبث بأمننا الصحي ويجعل الأرقام من أعداد المصابين والوفيات تزداد بهذا الشكل المهول رغم كل تلك  الجهود المشتركة؟

في الحقيقة قد تتعدد الإجابات والأسباب التي يُمكن مشاهدتها بالعين المجردة وحصرها وتلمسها، ولكن أعتقد أنَّ هناك جواب واحدًا لهذا السؤال الجدلي، وعدو يجب علينا معرفته ومحاربته وهو الجهل؛ الذي أصبح يعبثُ بأمننا الصحي، فكما قيل: كلما زاد وعي الإنسان حول مسألة مُعينة كلما كان سلوكة أكثر انضباطًا وتحكمًا وتوجيهًا، فحين زاد وعينا بقيادة المركبات بلغنا السلامة في الطرقات التي نعبرها ولله الحمد، وكذلك الحال مع أيه أخطار تأتي للإنسان، فكلما زاد وعيه بكيفية تجنبها، بلغ المنطقة الآمنة التي لا تصل إليه فيها تداعيات المخاطر بأمر الله ومشيئته.

قبل ساعات من كتابة هذا المقال أرسل لي صديق هذه الرسالة التي استقطع منها النص التالي "مع تصاعد حالات كورونا المُستجد والمتحور بأشكاله المُختلفة، وزيادة حالات الوفيات ومع توفر التحصينات في بلادنا العزيزة (بشتى الوسائل العامة والخاصة) فقد قررنا بدءًا من 1 يوليو 2021 عدم استقبال أي ضيف في منزلنا ما لم يتلقَ الجرعة الأولى من اللقاح بحد أدنى".

وأردف في رسالته النصية بقول: "هذا الإجراء يُعتبر جزءًا من أخذ الحيطة والحذر، وحفاظًا على الأرواح لاسمح الله، لذلك وتفاديًا لأي إحراج نحث من تبقى من أفراد العائلة والأصدقاء والجيران على المبادرة لتسجيل المواعيد لأخذ اللقاح للأسباب التي تم ذكرها سلفًا وتماشيًا مع احتياجات المجتمع من صون النفس، وعدم المجازفة بصحة الإنسان وأنتم الأغلى".

نعم نحتاج اليوم إلى هكذا وعي بأن نقول "لا" لأي تهاون في الإجراءات التي قد تؤدي إلى نشر الجائحة، وأن نقول "لا" في وجه أي مخالفة قد تؤدي إلى نشر الوباء أو الإصابة بها، وأن نقول "لا" لأي إنسان غير مُلتزم بالضوابط، ونقول "لا" لأي تجمعات مهما كانت أسبابها ودوافعها، ونقول "لا" التي تمنع نشر الجائحة حفاظًا على النفس، وحماية الآخرين، ونقول "لا" لجميع الشائعات التي ليس لها أساس من احترام العقل الإنساني، والمنطق الصحي والمستوى الفكري والتعليمي، ونقول"لا" لنقل المعلومات بدون مصدر طبي رسمي، ونقول "نعم" لمساعدة كل الجهود المبذولة  لمكافحة الجائحة وحفظ النفس.

جميعنا يعلم أن القطاع الصحي مُنهكٌ، وأن الإنسان الذي يعمل في هذا القطاع منهك أيضًا، وعلينا جميعًا من وزراء ووكلاء ورؤساء تنفذيين، ومديري عموم ومديرين ومسؤولين وموظفين في جميع القطاعات الحكومية والشركات والخاصة، ومواطنين ومقيمين مسؤولية عظيمة ومهمة يجب أن نقوم بها بوعي، فنحن في ظروف استثنائية غير مسبوقة، وعلينا أن نتعاون ونتكاتف من أجل سلامة الجميع.

ورغم الجهود إلا أنني ألتمسُ من الحكومة توجيهًا مباشرًا وعاجلًا وصريحًا لجميع مؤسسات الدولة (الحكومية والشركات) بمنع الاجتماعات التي تُعد واحدةً من الأسباب المساعدة في انتشار الجائحة بهذه السرعة بين الموظفين في تلك المؤسسات، والاستعاضة عنها بالاجتماعات الإلكترونية التي توفر الجهد والمال وتمنح السلامة والأمان للجميع، وأيضًا وقف المراسلات الورقية، واستبدالها بالمراسلات والخدمات  الإلكترونية.

إنَّ وعينا كأفراد في المُجتمع، وموظفين في المؤسسات ومسؤولين في الحكومة والشركات بهذه الجائحة وتداعياتها ومعرفة كيفية التعامل للحد من انتشارها ومنع تطورها، هو الرهان الذي سيُوصلنا -بعون الله وإرادته ومشيئته- إلى بر السلامة والأمان والصحة والعافية، وأن الجهل بأسباب السلامة هو ما سيجعل العبث يزيد بأمننا الصحي؛ لأنَّ السلوك غير الواعي هو القنبلة المؤقوته التي قد تنفجر في أي وقت ومكان.

حفظ الله الجميع من كل سوء ومكروه.