كورونا.. دروس وعِبر!!

 

راشد بن سباع الغافري

مرض كورونا أتى كأيّ أزمة طارئة قد تواجهها الدول والشعوب والأفراد، فهو لا يختلف كثيرًا عن هذه الأزمات إلا في مسماه، أما واقعه وكيفية إدارة التعامل معه فهو يتشابه مع أيّ أزمة اقتصادية كانت أو أمنية أو سياسية أو كوارث طبيعية وغيرها من الكوارث والأزمات التي قد تعصف بنطاق جغرافيا كان أو ديموغرافيا.

وبما أنه كأيّ أزمة فإن التعامل معه يتطلب إجراءات مماثلة لكيفية التعاطي مع تلك الأزمات وإدارتها، فهو يحتاج إلى تضافر الجهود بين الحكومة وأفراد المجتمع، وبين مؤسسات القطاع العام والخاص، وبين المتأثرين بها بصورة مباشرة أو من قد تطالهم توابعها.

وبما أن كورونا جاء كمرض عالميّ وتأثيراته أصابت مختلف القطاعات الصحية والاقتصادية والتعليمية والسياحية وغيرها فإنَّ إدارته كأزمة لم تقتصر على المعنيين بالقطاع الصحي، وإنما امتدت لتشمل عدة قطاعات أجبرتها الأزمة على التنسيق فيما بينها لتخطي ذلك الواقع الذي فرضته تلك الظروف فرضًا.

فتناغم مع جهود القطاع الصحي لامتصاص الأزمة والتخفيف من آثارها الجانب الأمني والتعليمي والمؤسسي، وجميع أفراد المجتمع، وذلك من خلال الالتزام بالقرارات والتعليمات التي كانت تصدر من الجهة المسؤولة عن إدارة هذه الأزمة، وتنفيذ هذه القرارات بكل جديّة رغم صعوبة بعضها وانعكاس أثرها السلبي على دخل الفرد ووظيفته، وعلى حرية حركته وتنقلاته داخل وطنه وخارجه.

هذه الأزمة لم يكن لها شبيه في التاريخ الحديث بالصورة التي ظهرت عليها، وذلك بسبب امتدادها الزمني والجغرافي، وتأثيرها الاقتصادي والصحي على العالم أجمع، وحجم الإصابات والوفيات الناتجة عنها، وقدرتها على شلّ كثير من أوجه الحياة، لكنها بالتأكيد لن تكون الأخيرة أيضًا، فطالما أننا نعيش على هذه الأرض فمثل هذه الأزمات واردة الحدوث، المهم في الأمر هو أن نتعلم الدرس، ونستعد لما هو آت، ونستفيد مما مرّ علينا ومضى في هذه الأزمة وغيرها، وذلك بتقييمه والخروج بدروس مستفادة لكيفية إدارة الأزمات والتعامل معها، سواء الطارئة منها أو ذات الامتدادات الطويلة والأبعاد الكثيرة.

إنّ إدارة أزمات من هذا النوع يعوّل فيها كثيرًا على الوعيّ المجتمعي للمؤسسات والأفراد، لأنها ذات تماس مباشر بهما، وإن لم يظهر الفرد والمجتمع بالوعيّ المتأمل منهما فبالتأكيد أن علاج هذا النوع من الأزمات سوف يطول وستستفحل آثاره أكثر وأكثر.

خلاصة الأمر هنا ليس لتقديم نوعية أو عدد الدروس التي استفدناها والعبر التي أرّقتنا، لأننا لا نزال في خضمّها، ولكن للتأكيد على أهمية ذلك في المستقبل، استعدادا لأيّ طارئ آخر أو أزمة أخرى قد تأتي فجأة أو على أثر بوادر مُعينة تمهد لحدوثها.

فما كسبناه اليوم من خبرة في التعامل مع هذه الأزمة لابد أن يُبنى عليه، لا أن نقول لها  بعد أن تنتهي: "أزمة وعدّت"!! فعلى سبيل المثال ما قام به القطاع التعليمي في هذه الأزمة من ممارسة وتطبيق التعليم عن بعد يجب أن يُبنى على هذه التجربة؛ بل ويؤسس لها حتى تكون بديلاً ناجحًا مع أيّ أزمة أخرى قد تطرأ لاحقا على المجتمع عالمية كانت أو محلية. فمن إعصار جونو حتى فيروس كورونا وما بينهما يفترض بنا أننا تعلمنا الشيء الكثير في إدارة الأزمات، وإن لم نخرج بدروس مستفادة وجب علينا وبشكل عاجل مراجعة عقليتنا قبل واقعنا.

إن استخلاص الدروس المستفادة ليس على مستوى الحكومة أو اللجنة العُليا المعنية بإدارة هذه الأزمة فقط، وإنما يمتد ذلك ليشمل المؤسسات والأفراد في هذا المجتمع منذ أن لبسنا الكمامة مجبرين إلى أن أخذنا التحصين طائعين، ولنطرح على أنفسنا بعض الأسئلة ولنجيب عليها بكل شفافية حول ما الذي ربحناه وما الذي خسرناه في هذه الأزمة، وماهي عوامل النجاح التي ساعدت على تطويقها والتقليل من آثارها، وما هي مواطن الضعف التي يجب تفاديها في أيّ طارئ آخر.

حفظ الله عُمان وأهلها من شر الكوارث والأزمات.

تعليق عبر الفيس بوك