حمد بن سالم العلوي
لقد مضى على هذا العدو الكاسح ما يُقارب السنة ونصف السنة، وقد كتبت في الموضوع عدة مقالات، كما كتب غيري الكثير من الكتاب في ذلك، لم تجد هذه الكتابات صدىً في نفوس مُعظم النَّاس، وقد أتخذت قراراً ألا أعيد الكتابة في كورونا على أساس أنَّ العاقل طبيب نفسه، ولكن وقد بلغ السّيل الزُّبى والقلوب الحناجر، وقد أصبحت الأسرة المكونة من سبعة أشخاص، أربعة منهم مصابين بهذا المرض، والناس يتبادلون الوصفات العلاجية فيما بينهم، وعلى رأسها الثوم والبصل، والكركم والزنجبيل، فاستفاد أولو العزم منهم، وفشل أولو الآيس كريم والنقانق لنعومة مزاجهم، وضعف صبرهم ووهن تحملهم، ولكن المعلوم بالضرورة، أن جُلّهم فقط من يذهب للمستشفيات.
إذن؛ أثبت مُعظم المجتمع، أنَّهم لا يدركون بعد حجم المسؤولية، ولا كيف يتعاملون مع هذا العدو الغادر؟! والأمر الذي يحدث الآن هو سجال في الدفع بالمسؤولية بين المواطن والحكومة، فالمواطن يتهم اللجنة العُليا لمتابعة فيروس كورونا بالتقصير، بل بعضهم حكم عليها بالفشل الذريع، وكأن هؤلاء المغردين من خلال تويتر والواتساب، صاروا يملكون كل الحقائق والمُعطيات والمعلومات التي بنوا عليها أحكامهم، وكما قيل في الأمثال "يا ما أسهل الحرب على المتسفّرة" يعني على من ربط العمامة وجلس في مجلس من المجالس يُنظّر للحروب، وقد تناسى هذا الجمع الغفير المثل القائل: إن كان لك لسان فللناس ألسنة وأفواه، فمن هذه الألسن قد يقول لك قائل؛ وماذا عساك أنت قد فعلت لتحمي نفسك وأسرتك ومجتمعك من العدوى، والجواب بين تصرف ضعيف أو لا شيء بالمطلق إلا لقلقت اللسان، والرغي في وسائل التواصل اللاّ اجتماعي، ونشر الشائعات التي تزيد الطين بلة.
تُرى ماذا يقولون عن الذين يُقيمون الأعراس في احتفالات حاشدة؟ وماذا عن الذين يتجمعون في المقاهي والمطاعم؟ أو يتزاحمون في المحلات التجارية؟ وحتى أولئك الذين يذهبون إلى طلب التطعيم، فيتدافعون على الأبواب؟ أو أولئك الذين يتزاحمون في الأسواق؟ وإذا أتوا على باب من الأبواب، وقد لمسه العشرات من قبلهم، فلا يعطون بالاً للحيطة والحذر؟ أو أتوا على صراف آلي، فتجدهم يلمسون كل شيء، وكأنهم قد وثقوا تماماً أنَّ الأمور عادية، ولم يعطوا للحيطة أدنى اعتبار، وكأننا في زمن ما قبل كورونا، وإذا قلت لأحدهم لماذا لا تحتاط؟! قال لك الله الحافظ ثم صعَّر خده عنك وذهب في حال سبيله، لا نقول إلا النعم بالله.. ولكن الله سبحانه وتعالى قال؛ "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، وأمر أيضاً بالأخذ بالأسباب!
تُرى إلى متى سنظل نحبط جهود الآخرين، بكذا أفكار سطحية وغير مسؤولة؟! فعندما أرى هذا السّيل من النقد المجاني، أتذكر قصة الرسام الذي وضع لوحة رسمها على قارعة الطريق، ووضع بجوارها أقلام حمراء، فقال في مُلاحظة: إن وجدت خطأ في الرسم ضع تحته خط أحمر، فعاد إليها في الصباح الباكر فوجد اللوحة كلها حمراء، وحتى الصورة التي رسمها قد اختفت، فأحبط وكاد أن يتخلى عن مهنة الرسم، فرآه أحد الأشخاص فقال له ما بك؟ فحكى له القصة، فقال له: لا تحزن ارسم غيرها واكتب ملاحظة تقول: (من وجد خطأ في الصورة فليصححه) فعندما أتى بالغد لم يجد نقطة واحدة قد أضيفت على الصورة، فأتاه صاحب تلك النصيحة الذكية فقال له: النَّاس يحبون النقد لأنه الأسهل، ولكنهم ليس عندهم البديل، فهكذا حال جيش المنتقدين لإجراءات اللجنة العُليا لمتابعة فيروس كورونا ووزارة الصحة "ولا بأس أن أُنعت بالمطبّل فرضيت بحكم الله بيني وإياهم".
فإن أردت أن تُسكت هؤلاء الناقدين، أطلب منهم أن يتقدموا إلى اللجنة بمُقترحات عملية، وقابلة للتنفيذ، فلن تجد من يفعل ذلك، وإن وجدت ستجدهم قلة قليلة، ولن يصل عددهم عُشر فرسان تويتر والواتساب.. لذلك أتمنى على اللجنة أن تصدر بياناً وتقول فيه: لا نقبل أي نقد في تويتر على إجراءات اللجنة العُليا لمتابعة فيروس كورونا أو وزارة الصحة، ومن لديه نقد أو فكرة مُفيدة وموضوعية فليحضر إلى قاعة الاجتماعات يوم الخميس من كل أسبوع، ومن يقدم مقترحًا موضوعيًا وقابلاً للتنفيذ، له مكافأة مالية مجزية، وهنا تفيد وتستفيد وسنقطع دابر القيل والقال.
إنَّ الذين يتذرعون بالضرر الذي سيقع على الشركات الصغيرة والمتوسطة من الإغلاق الجزئي، فهذا شيء واقع وحقيقي ومحسوس وملموس، ولكن البديل عن هذا الإغلاق، هو الموت والدمار بسبب كورونا، وسيقول قائل هذا سببه اللجنة العليا لمتابعة فيروس كورونا أو الحكومة بشكل عام، لأنها تأخرت في توفير اللقاحات المضادة للفيروس، وهذا غير صحيح، لأن الحكومة سعت وحاولت ودفعت الملايين حتى تحصل على نصيبها من اللقاحات، ولكنها ما كانت تجد الكميات التي تطلبها، وإن الذين أدخلوا اللقاحات غير المأمونة، قد خدعوا شعوبهم، واليوم يدفعون باهظاً ثمن ذلك التسرع، أو التصرف غير المسؤول، وقد جعلوا مواطنيهم حقل تجارب للآخرين، وأصبح انتشار الوباء بين السكان مرعباً، فويح إعلامهم الكاذب لا يظهر الحقيقة كما هي.
لذا نرجو من كل مواطن مسؤول، ألا يوظف نفسه كطابور خامس، فينهش في سمعة الكادر الطبي للسلطنة، والذين يكيلون التهم جزافاً اليوم لغيرهم، ليتهم يؤجلون ذلك حتى تهدأ العاصفة، فمن توفاه الله يشتكيهم مع الحكم العدل، ومن ظلَّ على قيد الحياة يشتكي مع حكم الدنيا، ولكن حكم الدنيا سيحتاج إلى أدلة وشهود، ونقول للمرة المليون يكفي هذا الكادر الطبي الذي قضى الليل مع النهار من أجلنا جميعاً، وهو يسهر على علاجنا، ويكفيه الصبر والتحمل ودون أن يرى أهله وإخوانه لشهور وسنوات، ويكفيهم ما يرون من وفيات الناس بالعشرات أمام أعينهم، وهم يذرفون الدموع ندماً على أنهم لم يستطيعوا إنقاذ حياتهم من براثن كورونا اللئيمة، والتي أخذت تفتك بالناس يومياً، وهم لا حول ولا قوة لهم، ثم يأتي متسفّر لينتقدهم ويتهمهم بالتقصير.
وأقول لهؤلاء المتلكئون الناقدون وحسب، عيب والله عيب هذا الكلام، إن كان أنتم عجزتم أن تفهموا الوقاية من المرض، وهو الأمر الأسهل، وهو يكمن بين كمامة تقي الجهاز التنفسي، وتطهير اليدين بالماء والصابون أو المطهّر، والتباعد الجسدي.. ولم تفعلوا، وأسأل الحكومة أن تنشئ محكمة للمقصرين في هذه الأزمة بعد النجاة من كورونا، وأن يأخذ كل مظلوم مظلمته، حتى لو كان فرداً عادياً، وذلك على أساس أن العدل أساس الملك.
اللَّهُمَّ ارفع عنَّا الوباء والبلاء وسائر الأمراض والأسقام.. يا رب العالمين.