لا نصيب للأرض من الثروة


سعيد بن أحمد المعشني
رأيت رأس ثور مُلقى على شاطئ إحدى المدن الكبيرة فتعجبت وتساءلت! هل ما زال هناك صيادون يعلقون أسباب الرزق على تقديم القرابين؟ بالرغم من وجودهم في حاضرة عصرية!
حدثتُ نفسي فقلت: الجهل مرض لا طبيب له، وما أن واصلت التفكير فتذكرت مقولة قرأتها منذ زمن تقول إنَّ: "الخرافة مرض من أمراض العقل"، فكيف بالعقل أن يصدّق اعتقاده في شيء لا يعرف عنه شيئاً بلا دليل مادي أومعنوي لذا فلا على المريض حرج حتى يشفى، ومرت الأيام والسنون حدثني أحدهم الإشكالية ذاتها فذكروا لي قصصًا بطرائق شتى كتقديم القربان بقذف الأنعام في البحر حيَّة، وتقديم الحلي والذهب في أماكن معينة في البحر وهلم جرا..
وما إن أسهبنا في الحديث فطنت إلى معتقد قديم في زمن الجوع وشظف العيش وقتئذ ينثر المُعتقِد من طعامه في الأرض بأهداف عديدة أظن منها دفع الضرر أو الحماية أو الخوف ولكن العقل والمنطق يوافقان المثل الشعبي المعروف "اجدريت الهس ين لو" أي: لا نصيب للأرض من الثروة فالمراد من المثل تقدير الشيء النفيس وعدم طرحه أرضًا لأهميته والمحافظة عليه من الإهدار والضياع.
فلا تقدر قيمة النفط والغاز والمعادن وجميع الثروات بأصبع واحدة من أصابع الإنسان، تكاد الثروات لا تعني شيئًا من دونه؛ لأنه مهم جدًا، فهو أعظم وأغلى من الثروة فهي الجسد وهو الروح.. فما فائدة جسد من دون روح؟! الثروة مادة خام ولكنه هو المحرك والعجلة المتسارعة في الوجود، فلا تُنشد غاية كبرى إلا على أكتاف رجال؛ حيث قام دين الإسلام على كتف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وهنا يفطن العاقل إلى أهمية الإنسان؛ سواء أكان بمفرده أم مجتمعًا مع غيره، ولكن تبقى "يد الله مع الجماعة" فإنّ الفرد بمثابة همة إلى الانطلاق، والمجتمع وثبة إلى الرقي والتقدم، وهما يشكلان مرتكزين أساسيين علاقتهما إرادة الجزء بالكل، فإن استقام الفرد تنامى المجتمع، وإن اعوجَّ الفرد ازداد المجتمع إعوجاجًا.
إن صناعة الإنسان ثروة متجددة وقد يتعين ذلك برفع الكفاءات والكوادر ومنحهم الثقة وإعطائهم الصلاحيات الاستشارية لاتخاذ القرارات المصيرية لتقويم الرؤى وابتكار الاستراتيجيات لكي لا تعتمد الرؤى على عقليات أفراد أبدًا لأنها لا تصلح إلا لزمن محدد فحسب، فعندما تتنوع عقول الكفاءات وتنصب في قالب رؤية واحدة في هدف مشترك واحد فتصبح الرؤية في ضمن الاحتمالات الممكن تحقيقها، فلا شك أن الفرد بصير بالمستقبل على غرار الواقع المعيش، فإن كان الواقع إيجابيًا فإنه من الممكن تحقيق احتمالية الرفاه الاجتماعي كون أن الفرد على أهبة نفسية واجتماعية وثقافية للمشاركة في التنمية، وإن كان الواقع معاكسًا فقد يؤدي إلى نتيجة غير منشودة فلا يتحقق الرفاه إلا بالقضاء على الفقر لا الفقير فلتكن لنا عبرة من مقولة الفاروق -رضي الله عنه – قال : "لوكان الفقر رجلاً لقتلته" فحذارِ حذارِ أن نزيد الفقير فقرًا والغني غنىً فهذه القسمة كفيلة بهدم مُجتمع برمته.
بيدَ أنَّ النزعة النابعة من الأصالة والتاريخ تأخذ بيد الثروة الحقيقية إلى مصاف الدول العظمى لبناء مجتمع قوي يستثمر الإنسان فيُقدّر الطاقات ويرفع الكفاءات ويعنى بالفكر والثقافة والتراث، فإنَّ الإنسان يعد الثروة العظمى في الكون فلا نصيب للأرض من الثروة.

تعليق عبر الفيس بوك