منفذ الربع الخالي

 

د. عبدالملك بن عبدالله الهِنائي

باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية

 

تلوح في الأفق بشائر تتناقلها أخبار غير مُؤكدة عن قرب افتتاح المنفذ البري الذي يربط بين سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية عن طريق "الرُبع الخالي empty quarter"، كما يرد مُسماه في الخرائط الأجنبية، وكما كان يحلو للرحالة الأجانب والمستشرقين تسميته في كتاباتهم، كناية عن العزلة والبعد عن كل مكان مأهول أو حضري. أو هو "الرَبع الخالي"، كما يسميه بعضنا بلغة عربية حالمة أو رومانسية، وتعني المنزل أو الدار أو الحي الخالي.

ليس من المبالغة القول إن افتتاح منفذ الربع الخالي بين سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية سيؤدي إلى نقلة كبيرة في العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية، ويبعث أملًا كبيرًا في النفوس، ليس في البلدين وحسب وإنما في البلدان العربية عامة. والسبب في ذلك أن عُمان والسعودية، إلى جانب الجزائر والمغرب، هي البلدان المُتبقية من بين كل البلدان العربية التي بينها حدود مُشتركة لكن منافذها الحدودية مُغلقة أمام المسافرين والتبادل التجاري. وربما هي أيضًا من الحالات النادرة حول العالم حيث يوجد بلدان جاران، والحدود بينهما مغلقة أمام المسافرين، والتبادل التجاري مع أنهما في حالة سلم تام وتعاون وثيق في شتى المجالات.

هذ التفاؤل الواقعي بفتح المنفذ الحدودي بين عُمان والسعودية يعودُ إلى أنه- إضافة إلى أنَّ فتح هذا المنفذ سيتيح العبور المُباشر للتجارة بين البلدين- سيختصر مسافة تصل إلى حوالي 800 كيلومتر من الطريق الذي يصل بينهما حالياً ويمر عبر الإمارات العربية المتحدة، وهو ما سيؤدي إلى خفض تكلفة النقل وإلى اختصار الوقت اللازم للسفر، وبالتالي إلى تنشيط حركة التجارة والنقل بينهما.

وحسب إحصاءات عام 2019، فإنَّ سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية شريكان تجاريان مهمان في مجلس التعاون وفي المنطقة. وتنبع تلك الأهمية من أنَّ التبادل التجاري بينهما هو في جانب كبير منه لسلع ذات منشأ وطني؛ أي لمُنتجات محلية الصنع أو المنشأ، إضافة إلى إعادة التصدير والتجارة العابرة التي يمكن أن تُشكل في المستقبل عنصرًا مهمًا في تنشيط الحركة التجارية في الموانئ العُمانية. وفي عام 2019 بلغ إجمالي الصادرات من السلع العُمانية المنشأ إلى السعودية ما قيمته أكثر من 584 مليون ريال عُماني، فيما بلغت قيمة واردات السلطنة من السعودية ما قيمته أكثر من 352 مليون ريال عُماني. وإلى جانب أهمية فتح المنفذ الحدودي في زيادة التبادل التجاري بين البلدين، فإنَّ له أيضًا نتائج تنموية إيجابية على المنطقة الحدودية بينهما، خاصة على المناطق الواقعة على جانبي مسار الطريق، وذلك بما سيُقام عليها من محطات تخدم حركة المسافرين والشحن.

إنَّ القرار الذي اتخذته السلطنة قبل سنتين بإنشاء منطقة صناعية في ولاية عبري، لا تبعد كثيرًا عن الحدود بين البلدين وتقع على مسار الطريق الرابط بينهما، كان خطوة موفقة في سبيل زيادة التبادل التجاري بين البلدين، وكذلك لتنمية المنطقة الحدودية من خلال جذب الاستثمارات إليها. وحيث إنَّ الحدود بين السلطنة والسعودية مُرسمة ومُحددة بموجب اتفاقية وقعها البلدان منذ سنوات فليس بينهما مناطق أو مسائل حدودية مختلف عليها، كما أن البلدين يرتبطان بعلاقات سياسية رسمية قوية وأواصر اجتماعية راسخة ومصالح مشتركة عديدة، سواء على الصعيد الثنائي أو من خلال مجلس التعاون والجامعة العربية، فمن المهم مواصلة تعميق العلاقة بينهما في المجالات التجارية والاقتصادية.

ومن أجل أن تُواكب العلاقات الاقتصادية القائمة بينهما التطورات المستمرة في الاقتصاد العالمي، خاصة في مجالات التجارة والطاقة والاستثمار، فإنَّ من المهم أن تقوم حكومتا البلدين من خلال جهازي الاستثمار أو الصناديق السيادية أو غيرها من مؤسسات الاستثمار الرسمية بزيادة الاستثمارات المتبادلة، وأن لا يترك ذلك فقط لمبادرات القطاع الخاص، وإن كان يعوّل عليه الكثير في ذلك. وقد تكون المنطقة الصناعية التي تقوم السلطنة بإنشائها حاليًا في ولاية عبري هي نقطة الارتكاز والمنصة الكبرى لتلك الاستثمارات. ويمكن أن يوجه جانب من الاستثمارات المشتركة إلى توسيع تلك المنطقة وإعداد البنية الأساسية فيها، بما في ذلك توفير الطاقة الكهربائية اللازمة لها وربطها بطريق سريع مع ميناء الدقم وميناء صحار، وذلك ليتكامل مع الطريق السريع الذي يربط ولاية عبري بمسقط عبر محافظة الداخلية. كما إنه نظرًا لأهمية تلك المنطقة وقربها من بعض مناطق إنتاج النفط والغاز في السلطنة، فيجب العمل على جعلها منطقة جذب لاستثمارات كبيرة، خاصة في مجال الطاقة، بشقيها الأحفوري والمتجدد، وكذلك لتصنيع بعض المعدات والمواد اللازمة لاستخراج النفط والغاز. كما يمكن أيضًا أن تكون منطقة جاذبة للاستثمار في قطاع التدبير (اللوجستيات)، وغير ذلك من المجالات حسب جدواها الاقتصادية.

ونظرًا لما يُتوقع من ارتفاع في حجم التبادل التجاري بين البلدين بعد افتتاح المنفذ الحدودي، خاصة مع التعافي في الاقتصاد العالمي واقتصادات المنطقة، فربما يكون من المناسب في هذه المرحلة أن ينشأ البلدان شركة مشتركة للنقل ولخدمات التدبير (اللوجستيات)، وذلك؛ لأهميتها في تحفيز الأنشطة الاقتصادية في المنطقة وفي الموانئ العُمانية على بحر العرب وبحر عُمان. ويمكن في المرحلة الأولى أن يقتصر عمل الشركة على النقل بالشاحنات، وعلى إقامة المخازن ومرافق التدبير اللازمة، سواء في الموانئ  والمناطق الصناعية أو على جانبي مسار الطريق، ثم في مرحلة تالية يقوم البلدان بإنشاء خطوط للسكك الحديدية والقطارات تربط الموانئ والمدن الرئيسة فيهما.

خلاصة القول.. إن فتح منفذ الربع الخالي بين سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية سيُحيي آمالاً كثيرة على مختلف الأصعدة، وسيحدث تغيرًا كبيرًا في حركة النقل والتبادل التجاري في المنطقة. كما إنه سيوجد فرصًا استثمارية واعدة، وعلى الأجهزة الاستثمارية الحكومية والمستثمرين من القطاع الخاص في البلدين اغتنامها وأخذ زمام المبادرة فيها.

تعليق عبر الفيس بوك