الفكر لا يقُود إلى الهاوية

سعيد بن أحمد المعشني

حثّ دين الإسلام على التفكير؛ حيث إنه يُحدد كينونة الإنسان في الوجود، فهو مصباح التعقل وسراج السالكين إلى الله، فإن إهمال الفكر ضعف للأمة، وهو أن لا مفر منه يفتك بالضمير والإحسان، ويفسد السريرة و الوجدان،ويُشيطن الهواجس في قلب الإنسان.
فالإنسان لم يُخلق للأكل والتناسل والنوم بل هو مخلوق لغايات أسمى من ذلك بكثير لأنه؛ عاقلٌ مفكر؛ وكائنٌ متأمل متدبر في الآيات والمخلوقات والكون، يُعمِل الفكر كونه أعظم نعمة حبا الله بها البشر، فهو إلهام رباني فضله الله به على بقية المخلوقات، ولا غرور أن تنوع الفكر المعاصر وتباين تياراته، وتعدد مشاربه، واختلاف منطلقاته وتوجهاته عِللٌ تهدد الفكر الإسلامي المستنير، قد تضع المسلم في حيرة من دينه أمام كم هائل من الأفكار والتوجهات الخداعة، فيرتدي النشء بُردة الإسلام في الظاهر، ويخفي في الباطن الفكر الغربي القاتم، فإن كان المولود مسلمًا على دين محمد صلى الله عليه وسلم، يتخذ منحى آخر في فكره وتوجهه ليصبح بعيدًا عن دينه! ليدخل في إشكاليات عظمى تُهدد فكره الإسلامي النير، وتوجههُ العام للإصلاح، فمن أهم صور التشتيت الفكري، الصورة الذهنية المغروسة في عقولنا عن الغرب، فلا استطيع وصفه بالانطباع الحسن فحسب، بل قد يصل إلى درجة الانصهار اللاوعي والهوس الشديد في التقليد والمحاكاة!
إنّ من المشكلات التي قد يُعاني منها الفكر في الإسلام- في نظري- أن يُعلّم الآباء أبنائهم اللغات الأجنبيّة دون لغاتهم الأم، وكأنهم يربونهم و يقدمونهم عطايا على طبق من ذهب خدمة للغرب -ومن المؤسف -أنهم لن يسخروا ما تعلموه للدفاع عن دينهم أو عن قضاياهم- بالأحرى- بل قد يكون همهم الأساسي نيل شيء من ملذات الحياة، من البديهي أن اللغة هوية وفكر، فإن لم يتأصل الإرث اللغوي والإسلامي في ذات الفرد فمن الصعب أن يعود على المجتمع والأمة الإسلاميّة بالنفع، فلا أعمم قطعًا بأنه غير نافع البته، بل أرى أن رأيي لا ينطبق على الجميع فتفكروا معي- رعاكم الله- بما أنّ الله أنزل القرآن عربيًا على رسوله العربي ليدعو النَّاس جميعًا بلغة واحدة بالرغم من تعدد اللغات واللهجات في زمانهم، فلو كانت رفعة الإسلام بغير العربيّة لأدركوا ذلك -والآن تساءل معي- لماذا لم يدرس المسلمون علومهم بلغات أقوام أخرى؟ لماذا لم يتقنوا رؤساء الدول الغربية اللغة العربيّة، كإتقان الحكام العرب للغاتهم؟ هل اندثرت حركتي الترجمة لعلوم الحساب والجبر والهندسة؟ وللأسف فإن معظم الطلاب لا يفهمون ما يدرسونه في دول عربية! وهل استعمال اللغة العربيّة يفسد الاقتصاد؟ ولماذا لا تُقدّم كل المعاملات والخدمات باللغة العربية في الدول العربية؟
في الحقيقة إنّ موت الهويّة العربية مقرون بموت أهلها، فتهان اللغة بهوانهم، وتضعف بضعفهم، وتعز باعتزازهم بها.
ولِمَ نلقي اللوم على المؤامرات المزعومة وبأننا مستهدفين من الجميع! أما آن الوقت لأن نتنبّه ألّا نعالج الفكر الخاطئ بالفكر الأكثر خطئًا، لنُدرك أنّ الإسلام دينٌ شمولي يحث على التمسك بالهوية اللغويّة فإنها مسلك إلى الفهم الصحيح للدين، وطريق إلى تجديد الفكر الإسلامي الصالح في كل زمان ومكان.

تعليق عبر الفيس بوك