جريمة شركات التوظيف

يحيى الناعبي

من عجائب الدهر ما سمعناه خلال الفترة الأخيرة عن شركات التوظيف، ودورها في التحايل على منظومة التوظيف، فكيف لمثل هذه الآلية الاستغلالية بالشكل المُستفز أن تستمر لسنوات طويلة؟ وكيف للمؤسسة الرسمية المسؤولة عن التوظيف وهي وزارة العمل أن تسمح بمثل هذه الجريمة أن تُرتكب تحت إشرافها؟ وكيف للمؤسسات الحكومية أن تتورط في توقيع عقود مع هذه الشركات؟

إنهات أسئلة لا تخلو من إجابات كثيرة (......)، أترك للقارئ الكريم وضع إجابته وكل الإجابات صحيحة، فالشمس لا تغطى بغربال!

كيف لشركة توظيف أن تتحكم في الراتب الشهري للموظف سواء عُماني أو وافد؟! كيف تستقطع من راتب الموظف ما يُقارب الثلثين؟! وكيف تتحكم شركة توظيف بعقد الموظف؟! كيف يمكن لمصير موظف أن يظل مجهولًا تحت رحمة عقد غير متعلق بالمؤسسة التي يعمل بها، بل متعلق بكفيله (صاحب العقد)؟ وكيف وألف كيف!!

استمعتُ إلى برنامج إذاعي نوقشت فيه هذه القضية، وتابعت شكاوى المتصلين ومدى ضعفهم وقلة حيلتهم، لكن الإحباط واليأس زادا من حدة الدهشة، بعدما استمعتُ إلى مداخلة أحد الضيوف المدافعين عن فكرة شركة التوظيف؛ حيث عقد مقارنة بين شركات التوظيف لأهم القطاعات والتي تمثل عصب الاقتصاد والخدمات في الدولة، وبين مكاتب جلب عاملات المنازل، مختتما هذه المقارنة بجملة صاعقة: "لماذا حلال على مكاتب جلب عاملات المنازل وحرام على شركات التوظيف؟".

كان وجه التماثل في طرحه بأن المواطن يُقدّم طلب جلب عاملة المنزل دون أن يعلم عن خلفياتها السابقة، وبالتالي يجب أن نُعامل شركات التوظيف بالمثل!!، لماذا نطلب منها أن تتحرى عن الموظف التخصصي أو الأكاديمي؟ في تبريره عن عدم كفاءة الأكاديميين والموظفين الأجانب.

أعتقد من خلال ما طُرح ومن خلال متابعتي المتواضعة لهذه الأزمة، هناك مفهوم مغلوط به تماما حول شركات التوظيف. هذه الشركات هي وسيطة وليست مصيرية للموظف، وأقصد منها بالوسيطة بأنها مجرد موقع إلكتروني ينظم متطلبات المؤسسات الخاصة والعامة من احتياجاتها للموظفين، وتضع شروط كل مهنة بشكل مُبرمج على آلية الشروط التي تفرضها المؤسسة الخاصة أو الحكومية ومن خلالها يتقدم الباحث على الوظيفة بما يناسب مؤهلاته. وعند الاطلاع في مواقع التوظيف في بعض الدول (المُتقدمة)، وجدتها كما يتخيّله المنطق، أداة تنظيمية تمثل إجراءات إدارية مثلما يقوم بها قسم التوظيف في الموارد البشرية، لكن بشكل أشمل؛ حيث إن هذه المواقع هي حاضنة لشتى التخصصات والمجالات الإدارية والفنية لغالبية القطاعات في الدولة، وأكرر، تساعد الباحث عن عمل في معرفة وجهته في البحث عن العمل المُناسب لمجاله وتخصصه، وطبعًا متصلة بمؤسسات أخرى تخص الضرائب ومؤسسات الرعاية الاجتماعية وغيرها، كنمط طبيعي حول روابط مؤسسات الدولة.

من يقرأ منظومة شركات التوظيف في عُمان، يجد أنها تُعيدنا إلى التجربة القديمة عندما كان الموظف يفتقر إلى وجود القضاء الإداري للمطالبة بحقوقه، وعانى الكثير من الموظفين غبنا وإجحافا في حقوقهم. فلماذا بعد أن تعافت المؤسسة الإدارية نوعا ما، أو نتصور ذلك، نعيدها إلى آلية أخرى أكثر ضررًا، ولا تمد لدولة المؤسسات والقانون بصلة وكأننا في عصر الاقطاعيات. الموظف لا يمتلك حتى معرفة حقوقه طالما أنه يقع تحت سلطة مؤسسة غير متعلقة تمامًا بعمله وأدائه. أقرب مصطلح لوصف هذه المنظومة هو "الاستعباد".

شركات التوظيف هي آلية تقليد لمنظومات ناجحة في دول عديدة، لكن تم التلاعب بقوانينها والحرص على تحويرها؛ لتصبح أداة استغلال للمواطن أو للموظف بشكل عام. الجانب الخطر هو: هل تدرك الحكومة أن شركات التوظيف هذه بما لديها من سلطة وإحكام على الموظف قادرة أن تتحكم في سير عمل المؤسسات المتعاقدة؟ أيضا قادرة على اختراق سرية العمل في هذه المؤسسات من خلال تقارير يقدمها الموظفون المتعاقدون عند المقايضة بتجديد عقودهم كنوع من الابتزاز والاستغلال؟!! وبالتالي تستطيع تقييم الحالة العامة لتلك المؤسسة سواء أكاديمية أو شركة خدمات عامة.  

من الطبيعي أن هناك من يتربص لمعرفة آلية العمل في هذه الجهات، سواء على مستوى التنافس بين المؤسسات في داخل السلطنة، أو حتى خارج السلطنة. وأعتقد أن المتواطئ في هذا الموضوع لم يُدرك خطورة هذا التحايل في نواح عديدة، والأيام ستكشف لنا المزيد!!

تعليق عبر الفيس بوك