سد نادان.. مشروع تنموي أهلي

 

د. عبدالملك بن عبد الله الهِنائي

باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية

 

مِن مَظاهر حيوية المُجتمعات وطموحها وتطلعاتها الإيجابية، تُنادي أفرادها للتعاون والتآزر من أجل بناء مُستقبل أفضل إن لم يكن لهم فللجيل الذي يأتي بعدهم. ونسوق هنا بعض الأمثلة على الجهود التي يقوم بها الأهالي في إحدى المناطق لتنفيذ مشروعات تنمية لها أثر مُباشر على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وعلى مستوى المعيشة في تلك المنطقة، وذلك للتأكيد على أنَّ التنمية جهد مُشترك بين الدولة والمُجتمع.

شدني ما سمعته أنَّ أهالي جانب من السفح الغربي لجبل الكور، الموزعة قُراهم من الناحية الإدارية بين ولايتي بهلاء وعبري، قد تنادوا لإنشاء سد لتغذية المياه الجوية على وادٍ يُسمى "وادي نادان". وقد قام أهالي القرى والتجمعات السكنية التي ستستفيد من السد باستخراج التصاريح والإباحات الرسمية اللازمة لإنشائه. كما قاموا بفتح حساب في أحد البنوك لجمع المال اللازم لبناء السد، ومن المُؤمل أن يبدأ العمل في البناء قريبًا.

"نادان" قرية صغيرة فوق جبل الكور، بها فلج وعليه تقوم بعض النخيل والمزروعات الموسمية الأخرى وبها بعض البيوت الحجرية القديمة. كان الوصول إلى نادان يتم سيراً على الأقدام، وفي بعض الأحيان ينقل الأهالي بعض حاجاتهم على ظهور الحمير عبر ممر الوادي الذي يخرج منها، وذلك رغم صعوبة سير الدواب فيه بسبب كثرة الصخور الضخمة التي تعترض مجرى الوادي، وبسبب صعوبة البقاء والوصول إلى نادان اضطر أغلب سكانها إلى الهجرة منها والاستقرار في مكان أرحب. وقبل حوالي عشرين سنة قامت الحكومة بشق طريق إليها، وهو ما ساعد بعض من هجرها من الأهالي على العودة إليها بين الفينة والأخرى؛ لتفقد مساكنهم وسقي مزروعاتهم والعناية بها. كان من المؤمل أن يفتح الطريق فرصة لجعل نادان قرية يؤمها السياح، خاصة أولئك الذين يستهويهم تسلق الجبال؛ لأن نادان تقع في مكان أشبه ما يكون بفوهة بركان؛ إذ إنها تُحيط بها الجبال من كل جانب، ما عدا من الجهة التي يخرج منها الوادي. لكن للأسف كان الطريق الذي تم شقه شبه مؤقت؛ بسبب انجرافه وقت سقوط الأمطار وعند نزول الأودية، فلم يتمكن أهلها من العودة إلى الاستقرار فيها، ولم ينل السياح حظ الوصول إليها والاستمتاع بالطبيعة فيها وحولها.

يمر وادي نادان على عدة قرى وتجمعات سكانية، ويستفيد المخزون الجوفي للمياه هناك من جزء من المياه التي تتدفق في الوادي. لكن سرعة تدفق المياه فيه أثناء هطول الأمطار بسبب شدة انحداره تحول دون تخزين المزيد منها في باطن الأرض. لذلك فإنَّ إقامة السد على مجرى الوادي ستعمل على تحسين مخزون المياه في المنطقة، ومن ثم مساعدة الأهالي على تأمين مصدر دائم لمياه الشرب، التي تشح كثيرًا في فصل الصيف، خاصة عند تأخر سقوط الأمطار. كما أن تحسن منسوب المياه هناك سيُساعد على تنمية الزراعة وتربية الماشية، وهما مهنتان ومصدر رزق لكثير من أهالي تلك المنطقة من قديم الأزمان.

التنمية المُستدامة الشاملة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية عملية تشاركية بين الحكومة والمجتمع. وسدود التغذية الجوفية خاصة تلك التي تُقام في المناطق الزراعية غير المُهددة بالزحف العمراني، لها تأثير مُباشر على السكان، سواء من حيث توفير مياه الشرب أو من حيث زيادة الإنتاج الزراعي، وتوفير مصادر دخل يُساعد أهل تلك المناطق على الاستقرار في مناطقهم. وقد أدرك الأهالي في عدد من المناطق أهمية إنشاء السدود، وتنادوا للتعاون لإقامتها بجهودهم، وذلك مشاركة منهم في سيرورة التنمية، لاسيما حين يتعذر إقامة تلك السدود من قبل الحكومة؛ بسبب الظروف الاقتصادية وأولويات التنمية في البرامج الحكومية.

مما هو جدير بالذكر هنا أنَّ أهالي جبل الكور، والمناطق الواقعة عند سفحه الغربي قد سبق لهم إنشاء عدد من السدود في تلك المنطقة، أكثرها سدود تُرابية ومنها ما أقيم بالأسمنت والحجارة، مثل سد وادي الرحبة الذي تعاون في إنشائه أهالي تلك المنطقة قبل عامين، وعاونهم في ذلك آخرون من أهل الهمم والعزائم والعطاء من مناطق أخرى، سواء بالعمل المباشر بالأيدي أو بالمساهمة بمواد البناء أو بالمال. كذلك أقام أهالي قرية سِنت الواقعة في الجزء الشمالي من جبل الكور، في السنوات الثلاث الماضية عددًا من السدود الترابية والحجرية، إلى جانب السدين اللذين أقامتهما الحكومة هناك قبل سنوات. وقد كان لتلك السدود فوائد كبيرة في توفير مياه الشرب، وفي تحسين اقتصاد المنطقة بزيادة الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية فيها.

تلك كانت نماذج من الجهود التنموية التي يقوم بها العُمانيون، والتي لها فوائد اقتصادية ملموسة ومؤكدة، لكن فوائدها الاجتماعية أهم بكثير، فهي ترسخ التعاون وتقوي اللحمة بين أهالي المنطقة، وهي تشحذ الهمم وتشد العزائم في مناطق أخرى لجعل الإنسان مشاركًا إيجابيًا في فعل الخير سواء بالجهد أو بالمال.

أخيرًا وليس آخرًا؛ لأن التنمية عملية تشاركية فإنَّ على الحكومة أن تكون حاضرة في كل المناطق، سواء في المدن أو القرى أو الريف أو في الحضر، وذلك بتقديم الخدمات التي يحتاجها الأهالي، والتسهيل عليهم في إقامة المشروعات التنموية التي يرون استعجال تنفيذها.

تعليق عبر الفيس بوك