ممنوع من السفر!

مدرين المكتومية

اقتربنا من مرور عام ونصف العام على بدء تفشي جائحة كورونا، التي لم تبق ولم تذر أي قطاع في حياتنا إلا وأجهزت عليه بثقلها وخسائرها الاقتصادية والبشرية، فتعطلت حياتنا وشُلت المرافق في مُختلف بقاع العالم، وانهارت شركات ومُؤسسات عملاقة، ودخل آخرون نفقًا مظلمًا لا يعلمون أين نهايته، وفي خضم هذه المُتغيرات والتأثيرات العنيفة، ثمَّة قطاعات تقف عاجزة أمام هذه الجائحة، وعلى رأسها قطاع السفر والسياحة.

فهذا القطاع الحيوي للغاية والذي يُعد واحدًا من القطاعات الواعدة التي يُعول عليها لتحقيق التنويع الاقتصادي وبناء اقتصاد إنتاجي في سبيل تحقيق مُختلف الرؤى المستقبلية وعلى رأسها رؤية "عُمان 2040"، والخطة الخمسية العاشرة، غير أنَّ الواقع يُشير إلى أنَّ هذا القطاع يتكبد الخسائر الفادحة يومًا تلو الآخر، ويئن تحت وطأة الوباء ليل نهار، دون وجود رؤية واضحة المعالم لكيفية تعافيه، والبدء في عودة تدريجية إلى الوضع الطبيعي.

الجميع الآن ممنوعون من السفر تقريباً، إلا في حالات الضرورة، والمنع هنا ليس منعًا قانونيًا، بل هو منع اختياري، فالسفر لم يعُد قرارًا سهل اتخاذه، نتيجة للجائحة، والخوف من الإصابة والتقاط العدوى، لكن في المُقابل كان ينبغي على كل حكومات العالم، وبالتأكيد في وطننا، أن يتم اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات مُبكرة تُساعد على عودة هذا القطاع إلى سابق عهده تدريجيًا، بدلاً من فقدان الآلاف من الوظائف وتكبد عشرات الملايين من الخسائر.

ولتحليل الوضع، نقول: إنَّ تأخر حملة التحصين ضد مرض كورونا من أبرز أسباب عدم البدء في خطة لتعافي هذا القطاع، كما إن عدم توافر بعد المواد المخبرية اللازمة لإجراء فحوصات مُتقدمة لفيروس كورونا، فهناك دول تملك وسائل سريعة للغاية في الكشف عن فيروس كورونا في المطارات، حيث إنَّ التجربة العملية أثبتت أنَّ إجراء فحص "بي سي آر" قبل السفر ليس كافيًا للتأكد من خلو المسافر من العدوى، كما إن تأخر نتيجة هذه الفحوصات في السلطنة وارتفاع سعرها بصورة مبالغ فيها، يزيد من عدم قدرة الأشخاص على إجراء الفحص، بينما في دول أخرى هذه الفحوصات تُجرى مجانًا.

والسؤال هنا: هل بادرت الجهات المعنية بوضع رؤية لمُستقبل نمو قطاع السفر والسياحة؟ هل سنرى تعاونًا بين وزارة الصحة وشركات السفر والطيران، وكذلك مطارات السلطنة من أجل تعزيز خطة الوقاية من الوباء وفي نفس الوقت تدعيم فكرة "السفر الآمن"؟

الجواب لن أنتظره من هذه الجهات المعنية؛ بل أناشدهم أن يتعجلوا في الإعلان عن رؤية طموحة لإعادة التَّعافي لهذا القطاع الحيوي، خاصة وأننا في وقت تسعى فيه مؤسسات الدولة لخلق الوظائف للباحثين عن عمل، فكيف سنخلق وظائف ونحن غير مُستعدين لمواجهة الجائحة؟ كيف سندعو السائح إلى التمتع بما تزخر به بلادنا من طبيعة ساحرة ومقومات سياحية فريدة؟ إلى متى سيظل القطاع السياحي يئن وينزف اقتصاديًا؟

لا شك أنَّ الكثيرين يحلمون بالسفر والتنزه، خاصة مع اقتراب موسم خريف صلالة، وهنا أطرح تساؤلاً آخر: هل استعدت الجهات المعنية للتعامل مع هكذا حدث سياحي واقتصادي ينتظره أبناء ظفار قبل أي شخص آخر؟ هل ثمَّة قرار يتعلق بفتح المجال أمام السياح والزوار للذهاب إلى صلالة والاستمتاع بجمالها في ذلك الوقت من العام؟

نعلم جميعاً أنَّ هناك أُسر بالكامل تنتظر هذا الموسم؛ لتحقيق مردود مادي يعينهم على مصاعب الحياة، وهناك فنادق ومؤسسات فندقية خاوية على عروشها نتيجة لغياب الزوار عن المدينة السياحية الأولى في عُمان. لابُد أن نقدم لهم يد العون في هذا الأمر، على الأقل نضع نسبة إشغال مُعينة نضمن من خلالها الحد من الازدحام، لكن لا يجب أن نغلق الباب أبدًا. يمكن أيضًا اقتراح أفكار أخرى منها التوسع في إجراء الفحوصات خلال فترة الخريف، لكي يتسنى اكتشاف المُصابين وعزلهم في أسرع وقت مُمكن، وكذلك توفير أجهزة الفحص السريعة التي تكشف المصابين في أقل من 15 دقيقة على غرار ما هو موجود في بعض المطارات حول العالم.

لا شك أنَّ الحلول عديدة، ويستطيع أهل القطاع أنفسهم طرحها، ولا شك أيضًا أنهم طرحوا بعضاً من الأفكار التي تُساعدهم على التعافي، لكن يبقى الأمر في يد الجهات المعنية، الذين نأمل منهم أن يعجلوا بإنقاذ هذا القطاع، وتحقيق تعافيه في أقرب فرصة، فالمزيد من الخسائر يعني الانهيار التام لهذا القطاع، لا قدر الله!

الأكثر قراءة