حمد بن سالم العلوي
ألزمتُ نفسي كمُواطن عُماني؛ بل ومواطن مسؤول، أن أقول رأيي بحرية ومسؤولية وتجرُّد، وألا أكلّ أو أملّ عن قول كلمة الحق، كما أظن أنا نفسي على الأقل أنها حق؛ لأنني أشعر بأني شريك أصيل في هذا الوطن، ولا أكتفي بالسُكنى وحمل الجنسية العُمانية وحسب؛ لذلك سأظل مستمرًا في كتابة المقالات ونشرها، إلا إذا منعني حكم قضائي بات، أو حكم ريب المنون، فأيهما يأتي أولاً فلا ضير.. هكذا عاهدت نفسي.
الدافع وراء هذه المُقدمة الرد على الذين قالوا "إنِّك تُتعب نفسك، فلا أحد يتأثر بما تقول وتكتب أو يستجيب لقولك". فتساءلتُ بيني وبين نفسي، فقلت هل أتعب؟ فكان الجواب (نعم) ولكن هل أمل؟ فكان الجواب (لا) إذن فالأجر على الله، ولا يهمني إن استجابوا أم لا، فأنا أبرئ ضميري بالكلام، وهو أرقى درجة في الإيمان من الرفض بالقلب.
إنَّ عُمان أغلى ما في الوجود، وهي وطني ووطنكم، وإن السكينة والاستقرار نعمة كُبرى، فلا يشعر بذلك إلا من فقد نعمة الأمن والاطمئنان، وإن الحكم الرشيد لا يعرف قيمته إلا من عاش ظلم البطش والاستبداد، فنحن في عُمان نحمد الله على هذه النعم الكثيرة، وعلينا ألا نفرّط في شيء من هذا، وأن نعضُّ على بلدنا بالنواجذ حتى لا تذهب عبثًا مع العابثين، وإن من أراد أن ينشئ برلماناً في الهواء الطلق، فلا مانع أن يفعل إذا وجد ضرورة مُلحة لذلك، ولكن دون ضرر أو إضرار، ودون تقليد لغير إرث عُمان، فعُمان تُعلِّم ولا تتعلَّم من طارئ، أو حديث عهد بالسياسة.
إنَّ الذي جرى في الأيام الماضية (منِّا وليس منِّا) فمنا من وقفوا باحترام ووقار، ورفعوا مطالبهم بالتزام، فكان رجال الأمن يوفرون لهم الأمن والخدمات، ويتشاركون معهم تنظيف مكان الاعتصام قبل المُغادرة. أما الشياطين الذين اندسوا متلثمين بين النَّاس فليسوا منّا، ومن ناوش رجال الأمن ورجم سياراتهم بالحجارة ليسوا منا، والذين قطعوا الطريق واعتدوا على ممتلكات الناس ليسوا منّا، والذين عبثوا وحرقوا وأرعبوا الآمنين ليسوا منِّا؛ بل ونرفضهم ونرجو ردعهم وتأديبهم، وإن كانوا ينتمون إلينا بالجنسية، يجب تأهيلهم بعد التأديب حتى يعودوا إلى المجتمع صالحين.
هذا شيء جرى وحدث، لكن علينا أن نتعلم من أخطائنا، وألا نترك الشارع يُعلمنا ماذا نفعل، فالمسؤول الذي تحدث هذرًا دون مسؤولية، عليه أن يُحاسب عمّا بدر منه، والمسؤول الذي استفز المجتمع بقراراته؛ لأنها غير مسؤولة ولا منطقية، ولا تخدم المجتمع وليس كذلك وحسب، وإنما تسلبه حقوقه المشروعة والمتوارثة، يجب أن يُحاسب، وأن يشعر المواطن بتلك المحاسبة، فلا يكتفى بعدم تنفيذ قراراته والسكوت عليها، فالناس لن تطمئن لذلك.
وكذلك المسؤولون الذين أفسدوا في الأرض من قبل، يجب أن يُعاقبوا، وأن يعلم المجتمع بمحاسبتهم، فيجب أن يتحملوا وزرهم؛ لأن المجتمع سيظل يتكلم ويطالب بمحاسبة الفاسدين، وقد يلوم الحكومة على عدم محاسبتهم، والحكومة يكفيها حملها الثقيل في مواضيع أخرى غير الفساد، والعقوبة عندما تعلن ستُضعِف الفساد، ولكنها لن تلغيه طالما ظل على وجه الأرض بشر، والكل يعلم أن ازدياد ظاهرة الفساد دافعه ضعف الوازع الديني، وإهمال التربية الصحيحة، وإن هجمة الغرب على مناهجنا التعليمية له مآرب واضحة، وذلك حتى نكون مثلهم في الفساد، فأما غير ذلك فليس مسموحًا لنا لأخذ به، فتلك أمور مشاهدة حول العالم، فمن لم يكن في فلكهم، فلا يسمح له بالتصنيع والابتكار.
إن الحلول الوقتية لا تخدم التنمية، ويجب تحرير عجلة التقدم من العصي التي تُغرز فيها بقصد أو غير قصد، وإلا سنظل نتقدم خطوة، ونتراجع خطوتين أو أكثر، وكفى تجارب وممارسات خاطئة، فنحن بخبرتنا خمسين عامًا، والخبرات الماثلة أمامنا من حول العالم، يجب أن تحصننا عن الأخطاء، ثم كيف للدولة تتجاوز مجلس عُمان في القرارات المفصلية، وإذا كان هناك ضعف في الاطمئنان لهذا المجلس العظيم، وذلك بما يوقر تحت قبته من عقول كثيرة، ومنها من أصحاب الخبرات الطويلة، ومنها كذلك الشابة والطموحة، وإذا أردتم الاستزادة، ففتحوا الباب لإنشاء مراكز للبحوث والدراسات، فعندكم وزراء متقاعدون، وعندكم العدد الكبير من كبار القادة العسكريين والأمنيين، وكم كبير من كبار الموظفين السابقين في الدولة، وكلهم اليوم عاطلين عن العمل بسبب التقاعد وبأمر أو إهمال من الحكومة، عدا العدد اليسير الذي شق عصا الطاعة وخرج إلى العمل، ولم يسلموا من العتب بالقول؛ ألم يشبع هؤلاء من المال؟! وغاب عن بالهم أن العمل في الدنيا وليس بعد الموت، والمال ليس الهدف الرئيس.
إن حل مسألة التشغيل يكون بفطنة وذكاء، وتلك الطريقة التقليدية المتبعة لن تحل المشكلة، وإنما ستراكمها حتى تنفجر في وقت لاحق- لا قدر الله- وفي كل الأحوال طالما ظلت الحكومة تفكر بالإنابة عن المجتمع، وترسل لهم الحلول مُعلّبة، فإن منتهاها إلى طريق مغلق، وحتى العشرين مليون التي قيل عنها للتدريب على رأس العمل، فإنها ستذوب وتتبخر، كما تبخرت الملايين من قبل؛ لأن هناك معاهد تنتظر بالمرصاد لمثل هكذا صيد سهل، والتدريب على رأس العمل لا يكون في مثل هذه المعاهد، فإن المتعلم سيعطى قطعة كرتون لا تساوي نصف ريال، أما العلم فسيطير مع النظريات.
ثم إن التوظيف الذي حصل عام 2011 سحب الموظفين من الشركات، وأخذت الحكومة جهد غيرها، وكان يفترض أن يكون العكس، أن يخرج الناس من الحكومة بنظام التقاعد، ويذهبون للقطاع الخاص منتجين لا متدربين، وأن لا تقبل الحكومة إلا من كان جالسًا ينتظر الوظيفة، ولم يسبق له العمل في أي مكان، ثم لماذا لا تدعم الحكومة العمل في التجارة، وتحمي الناس من اللوبيات الوافدة، فتجارة المواطن لا تقوم بغير الحماية، ولن يشق المواطن طريقه في التجارة بغير مظلة تحميه، فمن يدخل أسواقنا لن يتصور نفسه في عُمان، وأستثني منها سوق نزوى وبعض الولايات القليلة، ليس لأن الوافد سمح بذلك ولكن لأنهم لم يمكنوا الوافد من أسواقهم، لذلك يستحقون الدعم ولو برفع يد البلدية عن أذيتهم.