التحقيق في الجرائم الإسرائيلية

 

عبد النبي العكري*

انعقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة برئاسة نزهة شميم (فيجي) في اجتماع استثنائي رقم (30)  بتاريخ 27-5-2021 بمقر المنظمة الدولية في جنيف، وذلك  بطلب من  السفير  خليل هاشمي سفير دولة  باكستان  في جنيف باسم الدول الأعضاء في منظمة العالم الإسلامي وتضم دولاً أعضاء ودولا مراقبة بمجلس حقوق الإنسان والسفير الفلسطيني في جنيف السيد إبراهيم خريشي، تتناول الأوضاع  الخطيرة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية. كما إن الدول الداعية لانعقاد الاجتماع أعدت مشروع قرار لتكليف رئيس المجلس لتشكيل لجنة  تحقيق دولية  للتحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة ضد الشعب الفلسطيني.

وقد ترأست نزهة شميم الاجتماع الذي جرى عن بعد وأوضحت قواعد الاجتماع الاستثنائية وهدفه وهو إجراء مناقشة عامة عما جرى مُؤخرا ويجري من انتهاكات  الإسرائيليين الخطيرة لحقوق الشعب الفلسطيني ومشروع قرار يتعلق بتشكيل لجنة دولية من قبل رئيس المجلس  للتحقيق في هذه الأحداث والانتهاكات .

هذا وقد تحدث أمام الاجتماع  المفوض السامي لحقوق الإنسان السيدة ميشيل باشلي وسفراء فلسطين والباكستان والكيان الصهيوني ومقرر الأمم المتحدة حول الأراضي  الفلسطينية المحتله  ميشيل لنك وممثلي عدد مهم من الدول الأعضاء والمراقبة  في المجلس  ومنظمات حقوقية فلسطينة ودولية .  ولم تقتصر الكلمات على مجريات الحرب الإسرائيلية الأخيرة بل جرى التطرق إلى جذور المشكلة الكامنة في استراتيجية إسرائيل لاقتلاع الفلسطينيين وإحلال المستوطنين اليهود مكانهم وإجبارهم ليتحولوا إلى لاجئين في وطنهم أو خارجه والاستيلاء على بيوتهم وأراضيهم ومياههم، أي الرجوع إلى جوهر المشروع الصهيوني  وكون إسرائيل دولة الشعب اليهودي.

بعد ذلك جرى التصويت على مشروع القرار واعتمد مجلس حقوق الإنسان مساء أمس 27-5-2021 قراراً بشأن ضمان احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وفي إسرائيل، وأنشأ بموجبه لجنة تحقيق دولية للتحقيق في انتهاكات القانون الإنساني الدولي. وجميع الانتهاكات والتجاوزات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان منذ 13 أبريل 2021، وجميع الأسباب الجذرية الكامنة وراء التوترات المتكررة..

)A / HRC / S-30 / L.1) تم اعتماد القرار بأغلبية 24 صوتًا مقابل 9 ضد وامتناع 14 عن التصويت، قرر المجلس إنشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة على وجه السرعة يتم تعيينها من قبل رئيس مجلس حقوق الإنسان، للتحقيق في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وفي إسرائيل في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الإنساني الدولي وجميع الانتهاكات والتجاوزات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان منذ 13 نيسان / أبريل 2021، وجميع الأسباب الجذرية الكامنة وراء التوترات المتكررة وعدم الاستقرار وإطالة أمد الصراع ، بما في ذلك التمييز والقمع المنهجي على أساس الهوية القومية أو العرقية أو الدينية.

كما يدعو المجلس جميع الأطراف المعنية إلى التعاون الكامل مع لجنة التحقيق وتيسير وصولها. ويحث جميع الدول على الامتناع عن نقل الأسلحة عندما تُقيِّم، وفقًا للإجراءات الوطنية المعمول بها والالتزامات والمعايير الدولية ، أن هناك خطرًا واضحًا يتمثل في احتمال استخدام هذه الأسلحة في ارتكاب أو تسهيل ارتكاب انتهاكات أو تجاوزات جسيمة ضد حقوق الإنسان الدولية  أو الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني .

إسرائيل ترفض التعاون وأمريكا تعارض تشكيل اللجنة في خطابها أمام مجلس حقوق الإنسان رفضت مندوبة إسرائيل في المجلس ميرات ايتون شهار عقد الجلسة الخاصة لمجلس حقوق الإنسان ومقترح تشكيل لجنة التحقيق واتهمت الداعين لعقد الجلسة والداعمين لقيام لجنة التحقيق بمعاداة إسرائيل ومعاداة السامية. وقد أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بياناً رسمياً  بعد صدور قرار تشكيل اللجنة أدانت فيه القرار وأكدت عدم تعاونها مع اللجنة .

أما بالنسبة للولايات المُتَّحدة والتي كان وزير خارجيتها أنتوني بلنكن قد أنهى جولة له في  المنطقة وأكد دعم الولايات المتحدة بقوة لإسرائيل بما في ذلك التسليح، فقد رفضت مسبقاً عقد الجلسة الخاصة بالمجلس وتشكيل لجنة التحقيق  وأكدت  ذلك  مرة أخرى  بعد صدور القرار باعتباره غير بناء.

كما أن عدم تصويت الدول الكبرى مثل ألمانيا والمملكة المتحدة  على القرار وغياب موقف موحد للاتحاد الأوروبي قد أضعف القرار وفي ضوء ذلك فإنَّ مصير اللجنة هو مشابه لمصير لجان تحقيق سابقة مماثلة ومنها لجنة تحقيق برئاسة جولدستون في أحداث  2008-2009 إثر الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة وسينتهي الأمر بتحقيق تجريه اللجنة خارج فلسطين وتقدمه إلى مجلس حقوق الإنسان الذي سيتضمن عرضا لانتهاكات إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني وتوصياتها وسيقره المجلس دون أن يجد طريقه للتنفيذ .

الملاحظ أن الدعوة للاجتماع قد تأخرت وكان يتوجب أن تتم الدعوة له منذ اقتحام الإسرائيليين للمسجد الأقصى والاستيلاء  على  بيوت السكان الفلسطينيين في الشيخ جراح في القدس المحتلة. كما أنَّ دعوة المجلس للانعقاد قد تمت بطلب من قبل الباكستان نيابة عن رابطة العالم الإسلامي بالتنسيق مع ممثلية دولة فلسطين في جنيف وكان من المفترض على جامعة الدول العربية أن تشارك في الدعوة .

لقد تحدث أمام المجلس والذي انعقد افتراضياً عدد كبير من الدول الأعضاء والدول المراقبة ومنظمات حقوقية فلسطينية ودولية  لكنها المرة الأولى بعلمي أن يتحدث أمام المجلس أحد الضحايا وهي منى الكرد والتي استولى المستوطنون على نصف منزل عائلتها في حي الشيخ رضوان حيث مثلت شهادتها وثيقة حية لممارسات إسرائيل الوحشية  ضد سكان القدس الفلسطينيين . كما إنها المرة الأولى في اجتماعات المجلس بخصوص فلسطين التي يدعى فيها فلسطيني من فلسطين المحتلة 1948 وهو محمد بركة وهو  نائب سابق بالكنيست ومنسق اللجنة العربية العليا لفلسطنيي .1948

كشفت المناقشات عن تدهور مخيف  في مواقف الدول الغربية واستخفاف دول ديمقراطية بالقانون الدولي وحق الشعب الفلسطيني في وضع حد للاحتلال الصهيوني وضم الأراضي الفلسطينية وتشريد السكان وعمليات الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في انتهاكات فاضحة للقرارات الدولية بشأن فلسطين والفلسطينيين .وأحد مؤشرات ذلك هو أن قرار تشكيل لجنة تقصي الحقائق قد فاز بـ 24 صوتاً فقط من مجموع  47 صوتا للدول الأعضاء في المجلس ولم يكن بينها أي دولة غربية  كما عارضته 14 دولة والمؤسف هنا أن بينها دول ديمقراطية مثل الدانمارك وهولندا وفرنسا والهند  وكوريا الجنوبية  فيما امتنع عن التصويت 9 دول  منها دول ديمقراطية أخرى  مثل النمسا  وتشيكيا وألمانيا  والمملكة المتحدة وبلغاريا وأوكرانيا.

لقد تحدث مندوبو هذه الدول أمام المجلس وبدرجات متفاوتة حول انتهاكات إسرائيل الفاضحة لحقوق الفلسطينيين بمن فيهم حملة الجنسية الإسرائيلية  وأدانوا الحرب الوحشية ضد الفلسطينيين في غزة ومختلف الانتهاكات ضد الفلسطينيين في القدس  والضفة وأراضي 48 بما في ذلك قتل المدنيين بمن فيهم الأطفال . لكن مندوبي هذه الدول وعندما جات ساعة الحقيقة فهم  إما صوتوا ضد القرار أو امتنعوا عن التصويت.

أما المجموعة الأخرى التي امتنعت عن التصويت أو صوتت ضد مشروع القرار فهي مزيج من الأنظمة الاستبدادية أو الهامشية الواقعة تحت الهيمنة الأميركية والمخترقة بالنفوذ الصهيوني

هذه النتيجة المؤسفة هي حصيلة التشرذم  بل الصراعات العربية العربية والتي تفتقر إلى الحد الأدنى لسياسة خارجية تحمي المصالح العربية وتدافع عن القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية .وكيف يكون ذلك وهي تتهافت على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. والملاحظة الثانية هو أن التحول إلى اليمين والعنصرية  في الدول الغربية يقود إلى انحيازها إلى إسرائيل النموذج في العنصرية .

ماهي خصوصيات هذا القرار؟

رغم مارافق صدور هذا القرار من إحباطات وتراجعات إلا أن به إيجابيات يتوجب ذكرها. إنها المرة الأولى التي يتم فيها معالجة القضية الفلسطينية باعتبار أن هناك شعب فلسطيني لايقتصر وجوده على الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال الإسرائيلي  بل إن هناك فلسطينيون يحملون الجنسية الإسرائيلية  لكنهم جزء من الشعب الفلسطيني وهم متمسكون بانتمائهم الفلسطيني رغم  مرور 73 عاماً على اغتصاب فلسطين. وقد ألقى السيد محمد بركة  عضو الكنيست السابق ورئيس اللجنة العربية العليا كلمة فلسطينيي 1948 عرض فيها ما يتعرض له الفلسطينيون في  الداخل من تمييز وقمع عنصري تاريخي وأوسع حملة قمع خلال الأحداث الأخيره منذ  1948.

كما عرض متحدثون أساسيون ما يلحق بفلسطينيي 1948 من تمييز واضطهاد فيما يعرف بدولة إسرائيل والتي تدعي أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط  وأنها دولة لكل مواطنيها ومن هذه كلمة المفوض السامي لحقوق الإنسان ميتشيل باشلي.

ولقد تمَّ التعبير بوضوح عن طابع الكيان الصهيوني العنصري والاستيطاني الماضي قدماً في تهويد ما تبقى من الأراضي الفلسطينية وطرد سكانها الفلسطينيين لصالح المستوطنين اليهود وتغيير هوية الأراضي المحتلة دون رجعة لإحباط حل الدولتين  . وقد عبَّر عن ذلك  في كلمته  السيد ميشيل لنك  المقرر  الأممي  الخاص لأوضاع حقوق الإنسان  في الأراضي الفلسطينية المحتلة  ووزير خارجية فلسطين رياض المالكي وعدد من مُمثلي الدول وكذلك ممثلي منظمات حقوقية فلسطينية مثل عصام يونس (الميزان) ومنظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش.

الخلاصة

انعقدت الجلسة (30) لمجلس حقوق الإنسان في 27-5-2021 بعد إحباط أمريكا لاجتماع مجلس الأمن وعدم صدورقرار ولا حتى بيان للرئاسة حول الحرب الإسرائيلية العدوانية ضد الشعب الفلسطيني لمده 11 يومًا. ولقد كشفت مناقشات المجلس  والتصويت الذي  تلاه  عن ازدواجيه خطيرة في مواقف الدول وخصوصاً الدول الديمقراطية الغربية وفي مقدمتها أمريكا .كما كشفت عن تراجع هذه الدول عن تأييد قرار تشكيل لجنة تحقيق في الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد الشعب الفلسطيني وهو إجراء محدود  فيما استمرت أمريكا وألمانيا  وإيطاليا  وغيرها في إمداد إسرائيل بالأسلحة واستمرت دول عديدة في دعم إسرائيل بمختلف السبل فيما أضعف التطبيع العربي الرسمي  مع إسرائيل من الموقف المناهض لإسرائيل عربياً وإقليميا ودوليا ومثاله ما جرى في الأمم المتحدة في نيويورك وجنيف .

الإيجابية الوحيدة هي اعتبار فلسطينيي 1948 كجزء من الشعب الفلسطيني وما يتعرضون له من قبل الكيان الصهيوني هو جزء مما يمارسه الكيان الصهيوني  ضد فلسطين شعباً وأرضًا.

*حقوقي وكاتب من البحرين