الباحثون عن أمل

 

د.سليمان المحذوري

abualazher@gmail.com

فرضت الأحداث الأخيرة في صحار نفسها على الساحة المحليّة عندما تجمع سلميًا مجموعة من الشباب أمام مبنى مديرية العمل بولاية صحار صباح الأحد 23 مايو 2021، مُطالبين بحقهم في الحصول على وظائف تُؤمن لهم العيش الكريم في وطنهم، وتبعتها أحداث مُماثلة أخرى في محافظة ظفار، وهذه الأحداث تذكرنا بأحداث عام 2011 التي بدأت من صحار كذلك وللسبب ذاته.

ورغم سرعة توفير فرص وظيفية للباحثين عن عمل في تلك الفترة، ولكن يبدو أنَّ الأمر كان بمثابة دواء مسكن للألم لم يعالج المشكلة من جذورها؛ فظلت أعداد الباحثين عن عمل من الجنسين تتضاعف سنويًا، ومما زاد الطين بلّة زيادة أعداد المُسرحين، وغلق مشاريع تجارية لمجموعة من الشباب بسبب أوضاع كورونا الحالية، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وانخفاض أسعار النَّفط.

سعت الحكومة للتعامل مع هذا الملف المتضخم، وإيجاد منافذ وظيفية من خلال إحالة عدد كبير من الموظفين للتقاعد ممن أكمل 30 سنة خدمة في القطاع الحكومي، و25 سنة لبعض المسميات الوظيفية؛ ولكن لم يتم توظيف من يحل محلهم، ومرد ذلك البطالة المُقنعة في الجهاز الإداري للدولة. وكان التعويل على القطاع الخاص المرهق اقتصاديًا جراء الأسباب سالفة الذكر. كما أنَّ كثيرا من مؤسسات القطاع الخاص ما زالت تفضل الوافدين على المواطنين لاعتبارات كثيرة لا مجال لتفصيلها في هذا المقام رغم ضغط الحكومة المتواصل لاستيعاب العمالة الوطنية؛ ولكن النتائج كانت مُخيبة للآمال.

وإزاء ذلك كانت هناك مؤشرات قوية تشي بتعاظم المشكلة مثل استمرار وسوم (هاشتاجات) ذات الصلة بالباحثين عن عمل، وانتشار أخبار عن المسرحين عن عمل بشكل مُتواصل، وكانت المعالجات بطيئة جدًا لا تلبي طموح الشباب. وهذه التراكمات والتسويف في إيجاد الحلول الناجعة للمُشكلة كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وهذا ما حدث في صحار. ولمُعالجة هذا الموضوع نحتاج إلى الحكمة في إدارة الأزمة قبل أن تسوء الأوضاع؛ بدلًا من البيانات والتصرفات المستفزة، ولا مجال أبدًا لاستخدام القوة أو العنف لتفريق التجمعات، حتى لا تمتد إلى بقية مُحافظات السلطنة، وحدوث ما لا يحمد عقباه، ولنا في أحداث 2011 عبرة في التعامل مع هكذا أحداث.

كان من المُؤمل أن تكون هناك تغطية تلفزيونية تُواكب هذا الحدث المهم؛ إلا أنَّه وللأسف الشديد لم يكن تعاطي الإعلام الرسمي بمختلف قنواته على مستوى الحدث عدا صدور بيان حكومي عبر وكالة الأنباء العُمانية متأخرًا في اليوم التالي للأحداث، ثم جرى تداول هذ البيان لاحقًا. وفي تغريدة لإذاعة الوصال ذكرت بأنَه تمَّ منعهم من التغطية الإعلامية وطُلب منهم مسح الصور والمُغادرة، وفي المقابل بثَت قناة BBC البريطانية خبرًا عن أحداث صحار، وبالتالي صارت الأخبار تأتي من الخارج ومصدرها الأخبار المنتشرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي- وخاصة الواتساب وتويتر- التي كانت تنقل الأخبار بشكل مُباشر ومن قلب الحدث. فيما كان حال القنوات المحلية كالمثل القائل "النَّاس في همة وسيفو يغلي الكمة". لذا؛ أعتقد أنَه آن الأوان لتبني سياسة إعلامية مختلفة تواكب هذه المرحلة.

الشباب لهم الحق في المطالبة بوظائف، خاصة بعد أن طال انتظارهم لوظيفة تلبي طموحهم رغم أنهم يحملون شهادات تخصصية من مؤسسات علمية داخل وخارج السلطنة. وبالتالي في ظل انعدام الفرص الوظيفية ليس لدى الشاب ما يخسره والمثل العُماني يقول "العطشانة كاسرة الحوض". وهؤلاء الشباب يحتاجون من يتحاور معهم ويُعطيهم أهمية، وإيجاد حلول سريعة لمشكلتهم بلا تسويف أو مُماطلة، كما إنَّ البيروقراطية، والخطط البعيدة المدى لا تخدمنا في الوقت الحاضر. فكل ما نحتاجه الآن حلول ناجعة لهذه المعضلة مثل الإحلال المُباشر للعُمانيين المؤهلين محل الوافدين ولتكن البداية بالجهات الحكومية حسب الفرص الوظيفية في كل جهة، مع إيجاد آلية مُناسبة للتعامل مع القطاع الخاص برفع نسبة التعمين في القطاعات والوظائف المناسبة للعمالة الوطنية من خلال إجراءات ملزمة تضمن تحقيق هذا الهدف؛ بحيث تكون نسبة العُمانيين هي الأعلى في تلكم القطاعات وليس العكس كما هو الحاصل حاليًا. وبالتوازي من الأهمية بمكان العمل على تبني حلول مُبتكرة، وتنفيذ الخطط قصيرة وطويلة المدى التي تُؤمن فرصاً وظيفية بشكل مستمر لاستيعاب المخرجات الوطنية المتواصلة في مختلف التخصصات ضمانًا لعدم تكرار مثل هذه السيناريوهات مستقبلًا.  

حفظ الله عُمان وأهلها من كل سوء والله من وراء القصد.