تجمع صحار.. وجدية الحكومة في دفع عجلة التشغيل

حمود بن علي الطوقي

 

مضى على المُؤتمر الصحفي الذي نظمته وزارة العمل قرابة 4 أشهر، وشخصياً حضرتُ هذا المُؤتمر؛ حيث أوضحت الوزارة خلاله خطة عملها التنفيذية لقطاع تنمية الموارد البشرية، وكانت الوزارة سبّاقة في توضيح خطتها وبرامجها بشفافية لمُختلف وسائل الإعلام.

أعلنت الوزارة آنذاك التزامها التام بتوفير فرص عمل لنحو 32 ألف مواطن، على النحو التالي 12 ألف وظيفة من الإحلال والتوظيف في القطاع الخاص، ونحو 5202 فرصة من الإحلال والتوظيف في القطاع الحكومي، و9 آلاف فرصة ناتجة عن التدريب والتأهيل، بجانب 3265 فرصة مقرونة بمبادرات القطاعات التي تشرف عليها الهيئات والوحدات الحكومية في القطاع الخاص. وهذه الأرقام التي أعلنت عنها الوزارة لاقت ترحيباً كبيراً من الجمهور، وفعلاً- كمتابع لجهود هذه الوزارة- قامت الوزارة بالإعلان شهرياً عن جهودها في التوظيف لتوضيح الصورة أمام الرأي العام، بكل شفافية؛ بل قامت بعقد سلسلة لقاءات لطرح المبادرات أسبوعياً لتسارع الخطى في تحقيق التزامها بتوفير نحو 32 ألف وظيفة، وهذا الرقم ليس بالهين؛ في ظل تداعيات الظروف الاقتصادية والصحية التي تعيشها البلاد والعالم، وكذلك التحديات التي تواجه الوزارة في إيجاد الحلول الآنية والفورية تجاه المئات من شبابنا المسرحين بسبب تأثر الشركات بعدم وفائها بمسلتزمات رواتب العاملين لديها، نظراً لتأثر هذه المؤسسات بصدمات اقتصادية بسبب جائحة كورونا وأمور اقتصادية أخرى.

علينا أن نُعطي الفرصة لوزارة العمل كي تفي بتعهدها بتوفير فرص عمل لـ32 ألف مواطن، خلال هذا العام، وقد مضى نصف العام تقريباً، وبقيت 6 أشهر، وعلى الوزارة التزام الجدية في طرح هذه الوظائف لتكون رايتها بيضاء، وأن لا نودع العام 2021 إلا والوزارة قد التزمت بقرارها الهادف لتشغيل المُواطنين.

بالأمس خرج العشرات من شبابنا في تجمع سلمي في صحار مطالبين الحكومة بتوفير فرص عمل لهم نظراً لمضي سنوات طويلة على بعضهم وهم ينتظرون العمل المُناسب لهم من أجل خدمة البلاد والمساهمة في بناء هذا البلد، وقد أطلق المتظاهرون شعارات بأحقيتهم في الحصول على العمل متخذين من العبارات المُضيئة للمقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- منارة وبوصلة لهم، كونهم من فئة الشباب الذين هم عماد الوطن.

حقيقة الأمر أنَّ مطالب الشباب للحصول على الوظيفة حق مشروع، ووزارة العمل كونها الجهة المعنية بالتَّعاون مع جهات أخرى لتنظيم هذا الأمر، عليها مسؤوليات جسام لدعم قطاع تنمية الموارد البشرية، خاصة وأن السواد الأعظم ممن يبحثون عن عمل هم من فئة الشباب، والحكومة قامت في وقت سابق بإحالة المئات من الموظفين إلى التقاعد، وأصبح من العدالة أن نوظف أبناءنا بدلاً من آبائهم المُتقاعدين.

إنَّ الشباب كما أكد صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- هم "... ثروة الأمم وموردها الذي لا ينضب وسواعدها التي تبني، هم حاضر الأمة ومستقبلها، وسوف نحرص على الاستماع لهم وتلمس احتياجاتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم ولا شك أنَّها ستجد العناية التي تستحق".

هذه الكلمات تُعبر عن مدى حرص المقام السامي على فئة الشباب، ويجب على الجميع الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع الدفع بالشباب العُماني لأن يكون متميزًا في أي مجال، ويكون الشباب البصمة المضيئة في مستقبل عُمان، كما يجب أن ندفع بالشباب العماني نحو التميز في الفكر والإبداع والتفوق في العلم والمعرفة، وعلينا أن ندفع بالشباب نحو العمل والإنتاج وتشجيعهم على تحمل المسؤولية، وأن يكونوا سندًا ومعول بناء من أجل التنمية.

شخصياً.. كمتابع لملف التشغيل منذ سنوات أتمنى أن أرى الجدية في تحقيق الأهداف المرسومة من أجل التشغيل، وعلينا كمجتمع أن نقف مع هذه الجهود، وأن نكون عونًا لها، وعلينا أن نثق أنَّ القاطرة ستمضي من أجل إيجاد حلول مرضية تساعد الطرفين- الباحثين عن العمل والقطاع الخاص- على تحقيق الأهداف الداعمة، بما يعود بالفائدة على المجتمع.

لا ننكر أنَّ هناك تحديات ستُواجه وزارة العمل بسبب الزيادة المضطردة في أعداد الباحثين عن العمل، خاصة وأنَّ سوق العمل يشهد سنوياً تخريج أعداد كبيرة من المواطنين ينتظرون فرص التوظيف، وعلى هذا الأساس يجب على الوزارة أن تضع في الاعتبار أنَّ الأعداد التي تتخرج سنوياً ستُضاف إلى الأعداد السابقة، وسيزداد حجم المشكلة في حالة عدم وجود خطة مُحكمة لتوفير الوظائف.

مؤكد أنَّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الحكومة لا تمكنها من أن تعالج الوضع الحالي مثل مُعالجة أوضاع 2011، وذلك لعدة أسباب؛ أهمها: عدم توافر السيولة المالية الكافية وارتفاع حجم الدين العام للدولة، ومن يعتقد أن على الحكومة معالجة الوضع على غرار أحداث 2011 فهو غير قارئ للأوضاع الاقتصادية بدقة.

وعلى كل حالٍ.. نظن أنَّ تجمع صحار السلمي سيُعزز من قدرة المجتمع للضغط من أجل توفير الحلول الممكنة، وأن يكون تطبيقها متاحًا، بما يخدم المصلحة العامة ويُحافظ على المكتسبات الوطنية.

وأمام القائمين على وزارة العمل، تحديات كبيرة، لكن عليهم دراسة السوق بتمعنٍ خاصة فيما يتعلَّق بعدد الوظائف المطلوبة في الوقت الحاضر والوظائف المستقبلية، وعليهم التنسيق مع المعاهد والكليات والجامعات وكذلك البعثات الحكومية لتوفير تخصصات يحتاجها سوق العمل المحلي، مع التركيز على التخصصات ذات القيمة المضافة لسوق العمل. بهذا الأسلوب ستتمكن وزارة العمل من السيطرة على الأعداد المتزايدة من الباحثين عن العمل، وحتماً ستتمكن من وضع حلول سريعة لرفد سوق العمل بكوادر وطنية مؤهلة.

نتمنى التوفيق لجهود الحكومة ونتطلع العمل بإخلاص من أجل تمكين كوادرنا الوطنية في الأعمال ذات القيمة المضافة للاقتصاد، وذلك ترجمة للفكر السامي الرشيد لجلالة السلطان المعظم- أيده الله- وتنفيذًا لمتطلبات رؤية "عُمان 2040" بكل جدية وإخلاص.

وقبل أن أختم مقالي، أودُ من كل قلبي أن أسدي نصيحة لإخواني الأعزاء المشاركين في أيِّ تجمع واقعي أو افتراضي؛ وهي أن يطرحوا مُقترحاتهم ومطالبهم بكل موضوعية، مع الابتعاد عن لغة السب والشتم والتنمر على المسؤولين، فهذه ليست من صفاتنا، فقد عُرف عن العُماني أخلاقه الفاضلة، فكل مسؤول في الدولة هو أخ أو أخت لنا، وقد أنيطت بهم مسؤوليات، فإن نجحوا ففضل من الله، وإن أخفقوا فعلينا أن نوجهم بالنقد البنّاء دون تجريح.

حفظ الله عُمان وأهلها وجمعهم على كلمة سواء.. والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.