أنيسة الهوتية
قبل أن أسأل "لماذا صحار؟"، سأبرر بأنَّ اللوم يقع على الأدرينالين! ولا تطلبوا مني تعليلاً ومعادلة فيزيائية فيسولوجية بيولوجية سياسية عن ذلك، فإنني لست أهلاً ولا لواحدٍ من ذلك!
لكن الأفكار تراودني، لِماذا صُحار، ولِماذا الآن؟! عشر سنوات بين 2011 و2021 وفجأة يتكرر الموقف! شباب صُحار الباحثين عن عمل يحتجون سلمياً على عدم توافر الوظائف ومُقومات الحياة الكريمة في وطنهم! ومثلهم كان ولا زال يحتج المواطنون الباحثون عن عمل من بقية الولايات منذ سنين بصوت مبحوح! لكن الجرأة التي تأتي من شباب صحار لا تأتي من غيرهم! هل لأنَّ الوضع المعيشي في صحار أسوأ من بقية ولايات السلطنة؟
ألم يتوقع أحد بأنَّ المظاهرات السلمية هذه من السهل تحويلها إلى عكس ذلك بكبسة زر؛ لأنه سيخرج من بين أولئك المُسالمين أشخاص ينتمون إليهم قالباً وليس قلباً، وسيكونون هم السبب في قلب موازين المطالبات السلمية إلى عكسها والشباب المتحمس الذي تضخ أدمغتهم في أجسادهم كميات هائلة من الأدرينالين مما يُشعِرهُم بأنَّهم في معركة دينية لنصرة الإسلام والمُسلمين وليس فقط لطلب وظائف! وفجأة يخرج من بينهم شخص يلتقط حجراً ويبدأ برميه على سيارات شرطة مكافحة الشغب بقول: "الله أكبر"، فيتحمس الآخر ويفعل مثله، ويتوالى التَّصرف وتتوالى المواقف! ويتحول المظهر السلمي إلى مظهر شــغبٍ، وتتجمع قوات مكافحة الشغب حتى لا يتفاقم الوضع، كما صار قبل عشر سنوات حينَ فقد أحد المحتجين الشباب حياته.
وبين هذا وذاك، هناك من يُصوِّر، وينشر في وسائل التواصل الاجتماعي ويوضح للناس حول العالم أنَّ الشعب العُماني في صحار يُكافح لأجل لقمة عيشه والحكومة تمنعه عن التعبير عن رأيه!! ولَكِن، لِماذا صُحار؟
عُمان تضم 11 مُحافظة، و61 ولاية كلها تُعاني أزمة بطالة، وغلاءً في المعيشة، وشحاً في الوظائف، خاصة العاصمة مسقط التي أصبحت مرتعاً للوافدين ومَجمعاً للمستثمرين، لدرجة أنَّ المقدمين على أراضٍ حكومية من عام 2008 لا زالوا ينتظرون دورهم؛ لأنَّ الأولويات لأصحاب الأولويات! وأكثر من نصف شبابها الخريج من الثانوية العامة لا يحصل على منحة دراسية، وأكثر من ثلاثة أرباع سكانها العاملين غارقين في الديون البنكية لأجل توفير مقومات الحياة الأساسية البسيطة، ناهيك عن الربع الأخير غير المديون وهو غير مُؤهل للحصول على القرض من الأساس بسبب عمله غير الثابت! إذاً مرة أخرى.. لماذا صُحار؟
هل بسبب العدد السكاني الفائض؟ فصحار يبلغ عدد سكانها 140 ألف نسمة، ويزداد معه طردياً تضخم عدد الباحثين عن عمل؟ ولكن، مطرح يُقارب عدد سكانها 151 ألف نسمة، وبوشر 193 ألف نسمة، والسيب 303 آلاف نسمة!! إذا لماذا صُحار؟
سؤالٌ غيبي لن نجد له جواباً، ولكن الشَّجاعة مُعدية مثلها مثل الضحك، وخاصةً إن كانت القضية واحدة، والجو صيفي حار برياح موسمية ساخنة لربما اختلطت بسموم النفاثات في العُقد.
وفي النهاية.. الشباب ثروة الوطن، وعلى الوطن الاستفادة من هذه الثروة لتدوير عجلة التَّطور والتقدم، وعلى المسؤولين وضع قضية توفير الوظائف للمواطنين نصب أعينهم، ومن أولوياتهم، وتوصية رجالات ونساء الأعمال بتوظيف الشباب العمانيين في جميع أنشطتهم الصناعية، التجارية، الإدارية...إلخ وتعمين أكبر نسبة مُمكنة من الوظائف، وتشغيل هذه الطاقة حتى لا تسقط في مستنقع الركود، وبؤر الفراغ، التي لن يكون العائد منها حميداً لا عليهم ولا على الدولة!
وكفى وعوداً! حان وقت الفعل والحِراك الإيجابي، وقت الاحتضان، والاحتواء، والانتماء، والبناء، وقت خلق الوظائف، وإشغال الشباب بكل ما هو مُفيد وبناء.
وقتُ إعادة الدَين للوطن الذي أغنى وأسمن من جوع.