د. عبدالله باحجاج
يتزامن نشر مقالنا مع استضافة مجلس الشورى لمعالي سالم بن مُحمد المحروقي وزير التراث والسياحة، وسنطرح مجموعة تساؤلات، لعلنا نُساهم في توجيه المناقشات أو توجيه الاهتمامات الحكومية إلى قضية السياحة في بلادنا من منظور دورها الوطني العاجل الذي يتقاطع مع مرحلة فرض الضرائب والرسوم ورفع الدعم الحكومي، وإحالة الآلاف للتقاعد الإجباري، فلها أدوار أساسية لا تؤجل، ينبغي القيام بها لعدة أسباب.
لكننا نتساءل أولًا: هل ينصب التفكير الحكومي الآن على مثل تلكم الرهانات الوطنية على قطاع السياحة؟ وهذا التساؤل يجعلنا نوضح حجم الرهانات العاجلة وليس الآجلة، ونحصرها في النقاط التالية: صدارة قطاع السياحة لسياسة تنويع مصادر الدخل، ودوره في كسر حدية المسار الضريبي؛ حيث نُراهن عليه كثيرا وسريعا، في التخفيف من وطأة الضرائب والرسوم.. إلخ، وكذلك دوره في نهضة المجتمع عامة والمجتمعات المحلية على وجه الخصوص، والرهان عليه في رفد موازنة الدولة بسيولة مالية إضافية في الوقت المناسب، والدول الإقليمية تتسابق نحو إقامة المدن والمنشآت والمرافق السياحية الضخمة بعكس توجهنا السياحي.
ومن المُلاحظ أنَّ قضية التنويع الاقتصادي تبدو وكأنها مُؤجلة، أو أنها تسير بفكر الاعتيادية الغارقة في المدد الزمنية الطويلة، ويسير الاعتماد شبه المطلق على نظام الجبايات "الضرائب والرسوم وغيرها "، بينما لا يعقل أن نظل نُواصل المسيرة الأحادية والاعتمادية على منظومة الضرائب والرسوم دون الانتقال الفعلي والملموس نحو القطاعات الإنتاجية، حتى لو كان خلال 4 سنوات؛ وهي الفترة الزمنية لخطة التوازن المالي، فذلك سيخنق المجتمع على المدى القصير.
فما الحل؟!
من المؤكد أنَّ الاستمرارية الأحادية على الضرائب والرسوم ليست الحل المثالي، ولا الحل الأوحد، فلدينا قطاعات إنتاجية واعدة، من أبرزها قطاع السياحة الذي يمكنه أن يصنع المتنفس الاجتماعي عبر توفير فرص عمل كثيرة للباحثين عن عمل، وكذلك للمتقاعدين بعد رفع الحظر عن عملهم مجدداً في القطاع الخاص، سنجد أنفسنا فجأة نرفع الحظر إذا ما كانت هناك جهود جبارة ومحترفة تحول مقوماتنا السياحية المتعددة والمتنوعة إلى صناعة تنافسية، وتتخصص في السياحة العائلية الواعدة، وستساهم في رفد سنوي مُعتبر لموازنة الدولة.
فما المانع من انطلاقة النهضة السياحية الفورية ؟ لا نرى هناك أية موانع قد تُؤجل أو تعرقل النهضة السياحية الشاملة، بل العكس، فجائحة كورونا قد تصنع النجاح إذا ما اعتبرنا قضية النهضة السياحية مسؤولية وطنية عاجلة، للاعتبارات سالفة الذكر، ونرى أنَّ أول خطوة تتخذ في مسيرة انطلاقتها الجادة، هي استبعاد المدى الزمني الطويل للاستراتيجية السياحية 2040، والتحول إلى المدى المتوسط، وكلما كان متوسطاً أو أقل منه، كلما يعبر عن قوة إرادة النهضة السياحية، وهواجس تحقيق نتائجها الإيجابية على الدولة والمجتمع.
وكان يفترض أن تشهد الآن محافظات البلاد أو على الأقل الخمس محافظات التي حددتها الاستراتيجية أولاً، إقامة مشاريع سياحية ضخمة، ترفيهية وفندقية، وبنية تحتية جديدة، بحيث نجني ثمارها بعيد أو قبل انتهاء سنوات خطة التوازن المالي، فأربع سنوات كافية، لو كنا جاهزين، ويجب أن نكون كذلك، وهذا هو المسلك الصحيح الذي ينم عن إرادة التطوير ضمن سياقات زمنية ضاغطة لمواجهة تحديات اجتماعية ومالية.
التساؤل هنا: لماذا لم نشهد الورش السياحية الآن؟ ينبغي أن تكون هذه القضية الشغل الشاغل لأعضاء مجلس الشورى في مناقشاتهم مع الوزير، وحتى بعد مُناقشاتهم، فعنصر الزمن هو الحدث هنا، لأننا في سباق لابُد أن ننجح فيه، وفي الإطار الزمني التنافسي الإقليمي، لا يمكن الاحتجاج بجائحة كورونا، فالتوجه العالمي يسير الآن نحو فتح السياحة للمُطعَّمين، من هنا، يستوجب أن نكون مستعدين.
كيف، ومتى ستنطلق نهضتنا السياحية الشاملة والمتوازنة، ومنطقتنا الإقليمية بدأت بقوة في التنفيذ، وبصورة تعبر عن قوة إرادة التنفيذ، واعطتنا الانطباع كم نحن متأخرين عنهم في التنفيذ؟ بحثنا عن قوة إرادتنا التنفيذية الشاملة في المرحلة الراهنة، فلم نجدها، وكل ما سمعناه خلال استضافة الوزير تعثُر بعض المشاريع كنسيم الصباح بولاية السيب، والتهديد بسحب المشروع، وهاجسنا هنا، لا يكمُن حول المشاريع الفردانية المنتشرة باستحياء في بعض المحافظات، وإنما عن انطلاقة سياحية شاملة تشمل المحافظات الخمس التي حددتها استراتيجية السياحة.
لذلك، نطالب مجلس الشورى بتشكيل لجنة عاجلة- غير لجنة السياحة أو أن تُطعَّم بشخصيات بارزة- تُعبر عن الكيان المعنوي للمجلس، تتخصص في ملف السياحة والتراث، لمتابعة ما بعد مناقشات الوزير، وفتح حوارات عُليا ومع الجهاز الاستثماري لدواعي تحقيق تلكم الرهانات على قطاع السياحة في ظل السباق السياحي الإقليمي.
وأن يكون سلم حواراتها ومناقشاتها الآتي: الإشراف على سحب الأراضي السياحية التي منحت لكبار المستثمرين، ولم يستثمروها، واعتماد المقاربة المتوسطة المدى في تنفيذ استراتيجية السياحة، والإسراع في انطلاقة النهضة السياحية الشاملة للرهانات الوطنية سالفة الذكر، وتسويق كل محافظة بمقوماتها ومشاريعها السياحية للمستثمرين، وأن تكون انطلاقة المشاريع السياحية الترفيهية أو الفندقية مشتركة أي في وقت واحد للمحافظات الخمس أولاً، بحيث يشعر بها المُجتمع، وتنقله من قلقه على مستقبل معيشته في عصر الضرائب، إلى الأمل في تحسينها من خلال ما يراه بعينيه على الواقع، وتحررنا من الإحباط والتشاؤم الذي تم صناعته بلا وعي من فاعلين في الحكومة والقطاع الخاص، علاوة على إقامة شراكات استثمارية في القطاع السياحي مع حكومات ومستثمرين ذات ثقة عالية. وأيضًا تعديل المفهوم الذي يؤسس للسياحة في بلادنا، بحيث يكون قائمًا أو مستهدفًا للسياحة العائلية بصورة غالبة، وهذا الفكر يقترب مع تفكير معالي وزير التراث والسياحة؛ حيث رصدناه، عندما قال في تصريح سابق، إنَّ السياحة الداخلية أصبحت رافدًا مهمًا.. لذلك، نحتاج إلى تأطيره من جهة وبلورته في مشاريع سياحية جاذبة لهذا النوع من السياحة، دون إغفال أنواع السياحة الأخرى، فبلادنا غنية بمُختلف أنواعها، كسياحة الكهوف، والمؤتمرات والمعارض، والمغامرات المائية وتسلق الجبال، والتخييم.. إلخ.
أما أن يظل الوضع اعتيادياً، واعتماد مقاربة 20 عامًا مقبلة حتى تستكمل تحقيق أجندة الاستراتيجية السياحية الجديد 2040، فهذا لم يعد يُعبر عن قوة الإرادة التنفيذية، ولا يرتقي إلى مستويات الاقتراب من قوة الإرادة السياسية، ولا ينم عن وجود تلاقٍ في الفهم العام لتحديات وإكرهات مخاطر الاعتماد على نظام الضرائب ورفع الدعم الحكومي عن المجتمع بصورة جذرية وغير مسبوقة، ولا يقف على مستوى التحدي السياحي الإقليمي.
نتمنى أن يخرج من مجلس الشورى ما يُعبر عن شراكته مع الحكومة، وهذه شراكة مقننة دستوريًا، لكن، لا نتوقع أن يمنح الأداء بقرار أو توجيهات.. وإنما يرتقي إلى مستوى انتزاعه "ممارسةً" بالمبرر الدستوري، أما الاكتفاء بطرح التساؤلات المُثيرة والمُحرجة فقط- رغم أهميتها- ومن ثمَّ الركون إلى الصمت، حتى موعد المناقشات المقبلة مع وزير آخر، فهذا لا يُعبر عن مفهوم الشراكة المُحصنة بالنظام الأساسي للدولة، ولا يخدم تطور تجربة الشورى في بلادنا، وعلينا توقع التداعيات الاجتماعية.