هل الروائي هو نفسه بطل الرواية؟

 

د. فوزية البدواوي

روائية وطبيبة أسنان

@foz_bd93

 

أغلب الذين قرأوا روايتي "حضور من سراب" ظنّوا أنَّ البطلة "أسيل" هي أنا، وأغلب الذين قرأوا روايتي "ذاكرة من حنين" ظنّوا أن أحلام هي أنا، وأغلب من قرأ "لا أريد أن أكبر" ظنّ بأن آسيا هي أنا....

وأنا لا ألومهم حيث إنّي لا استطيع التنصل من شخصياتي الرئيسية، ولا الفصل بينها وبين شخصيتي، فمهما حاول الروائي أن يجسّد شخصيات مُنافية لشخصيته، ذات صفات لا تشبهه إلا أنّ هذه الشخصيات في النهاية (وخاصة الأبطال) ستظل تتبنى الكثير من أفكاره، وتعبّر عن وجهات نظره.

كانت أسيل تدرس طب الأسنان على مقاعد الدراسة، وقد كتبت "حضور من سراب" عندما كنت طالبة مثلها، هناك الكثير من الأحداث التي حدثت لي فعلاً، أو التي عايشتها مع طلاب آخرين، أو تلك التي كنت اسمع عنها، ولا أنكر أنّي كنت أقوم مبكّرا وأجلس كثيراً في غرفة الـ"multimedia" للكتابة حول أسيل وهيثم، والتعبير عن الكثير من الأفكار التي كنتُ أودّ فعلاً التعبير عنها بنفسي في ذاك الحين، ولكن لديكتاتورية الإدارة وسيطرة الكادر التعليمي الوافد لم أستطع. كان من بين هذه الأفكار مثلاً الاعتراض على أمر أنَّ الرسوب في مادة واحدة يدفعك لإعادة السنة بأكملها، ونظام الحصول على نتائج نهاية السنة عن طريق مُهاتفة إدارة الكلية، مما يعني الانتظار لفترة طويلة جدا، وتكرار المحاولة لأنَّ الخط سيكون مشغولا في أغلب الأحيان، ولكن شاء الله بعدها أن تجد الكلية وسيلة أخرى عن طريق الموقع الرسمي الخاص بها ويوزر خاص بكل طالب.

ولكن خوف الكاتب دائماً من مهاجمة المجتمع له، وإلباسه شخصية البطل هو ما دفعه لإيجاد الكثير من الفوارق، وربما اختلاقها حتى يبعد الشبهة عنه، فليس كل كاتب يملك من الجرأة ما يدفعه لأن يصمد في وجه هذا الاتهام، لذلك كتبت روايتي الأولى على لسان "هيثم" وليس "أسيل" مع أنها المعنية الأكثر من الرواية، ثم شعرت بالظلم تجاهها فهي لم تعبّر عن رأيها وشخصيتها، لم تتحدث عن حياتها والظروف التي مرّت بها حتى وصلت لهذه الشخصية المهزومة الكئيبة المتحفّظة والخائفة جداً. وغيره أنني كنتُ في بداية مشواري الدراسي ولم يتسنّى لتجربتي الدراسية النضوج واختبار الجانب العملي من التخصص، حيث كان ما كتبته معتمداً بشكل كبير على ما أسمعه من طلاب الدفعات الأكبر. ولهذا بدأت بكل شغف بكتابة روايتي "حضور من سراب"، وحتى قبل أن أنشر روايتي الأولى "خطان متوازيان". كانت لديّ رغبة مشتعلة بإنصاف أسيل والتحلّي بنوع من الشجاعة، ولم يهمنّي حينها أن ينعتني القارئ بأسيل أم باسمي الحقيقي؛ حيث كان يتعمّد البعض مناداتي بأسيل، وخاصة الزميلات المُقرّبات في الكلية. كان الأمر يغضبني في بداية الأمر إلا أنني أدركت مدى نجاحي بعدها وتأثّر القارئ بهذه الشخصية، ومحاولتهم ايجاد الشبه بيني وبينها.

ولقد لجأت لخدعة أخرى لإبعاد أن تكون أسيل هي أنا ففي رواية "خطان متوازيان" بدأت سلسلة الأحداث في فترة زمنية سابقة لفترة التحاقي بالكلية، وذلك من خلال الأحداث التي صارت في المبنى القديم عند هطول المطر، ومع أني لم أشاهد المبنى القديم، ولم أحضر إليه وقت هطول المطر، إلا أن هذه الأحداث أيضاً كان من شأنها أن تبعد فكرة أن أكون أسيل.

هذا ما فكّرتُ فيه حينها بوصفي كاتبة مبتدئة مغمورة في بداية مشوارها الأدبي، حلمها هو امتلاك كتاب يحمل اسمها، ككاتبة لم تدرس سيكولوجية القارئ بعد، ولا حتى سيكولوجية المجتمع الذي سيقرأ رواياتها. أما الآن فأنا لا أخشى أبداً أن اختلق شخصية في رواية جديدة تحمل اسمي وإن لم تكن تمثّلني، حتى استمتع بالحيرة التي تصيب القارئ عندما يقرأ الرواية، وحتى يتردد السؤال ذاته في عقله: هل الروائي هو نفسه بطل الرواية أم لا؟

تعليق عبر الفيس بوك