هل التضخم قادم؟!

علي الرئيسي

باحث في الاقتصاد وقضايا التنمية

التضخم أو الارتفاع المستمر في الأسعار دائماً يسبب قلقاً كبيراً بالنسبة لمخططي ومنفذي السياسات الاقتصادية. ففي وجود التضخم تتآكل القيمة الشرائية للعملة، وينخفض مستوى معيشة الناس ويكون الفقراء و محدودي الدخل الأكثر تأثرا بالتضخم. لذلك من أهم أهداف السياسة النقدية هي الحفاظ على قيمة العملة، والسيطرة قدر الإمكان على ثبات الأسعار. لقد أدى التضخم العالمي إلى مآسٍ عديدة على مر السنين، فكثيراً من الثورات قد حدثت بسببه. كما يعزى وصول العديد من الحركات والأحزاب الفاشية والنازية إلى السلطة نتيجة إلى تذمر الناس من عدم السيطرة على ارتفاع الأسعار.

لقد نجح كثير من الدول مؤخراً في السيطرة على التضخم، وخاصة بعد الموجة التي اجتاحت العالم خلال عقد السبعينات، وذلك إثر صدمة النفط الأولى، وقد بذلت جهوداً كبيرة سواء من ناحية تبني سياسات نقدية حكيمة، أو سياسات مالية لأجل السيطرة على نسب التضخم المرتفعة، وكان من ضمن هذه السياسات ما سمي باستهداف التضخم أو السيطرة على نسب نمو عرض النقد أو وضع قيود وقوانين تحد من عملية تمويل الموازنة من خلال طباعة النقود.

وتناولت عدد من الصحف والمجلات الاقتصادية مؤخراً موضوع عودة التضخم إلى الاقتصادات العالمية. وتزعم جريدة الوال ستريت جورنال المحافظة، بأن معظم أسعار السلع والخدمات قد ارتفعت في الولايات المتحدة. فأسعار المستهلك من اللحوم إلى المنتجات الخاصة بغسيل الصحون قد ارتفعت بنسبة كبيرة مقارنة بالسنة الماضية، والأمر نفسه بالنسبة للملكة المتحدة وبقية أوروبا. فقد أعلنت وزارة العمل وهيئة الاحصاءات الرسمية في أمريكا بأن معدل التضخم السنوي قد ارتفع 4.2% في نهاية أبريل من العام الحالي مقارنة بالسنة الماضية. ويرجح الخبراء الارتفاع في نسب التضخم إلى عوامل عديدة من ضمنها ما يسمى (بعنق الزجاجة)، و خاصة في عدد من السلع الضرورية للصناعة كالخشب، الحاويات، السيارات المستعملة وسلع أخرى. وذلك نتيجة؛ لتوقف الإنتاج أو تباطؤه نظرا؛ للأغلاق في النشاط الاقتصادي الذي حصل في معظم دول العالم نتيجة للجائحة. هذا إضافة إلى ما قامت به الحكومات من ضخ كميات كبيرة من الأموال في الأسواق وذلك عن طريق الحوافز الحكومية، مما أدى إلى زيادة كبيرة في عرض النقد. يبقى السؤال المطروح، هل ارتفاع الأسعار هي مسألة مؤقتة أم أننا سنشهد عودة للتضخم كما حصل في بداية السبعينات بما كان يدعى بالركود التضخمي.

الجدل بين المدارس الاقتصادية المختلفة لا ينتهي، وخاصة بين النيوكينزين (الكينزيون الجدد والنقديين). يدعو بول كروجمان الاقتصادي الأكثر شهرة من المدرسة النيوكينزين، القائمين على السياسات الاقتصادية وبالذات السياسة النقدية أن لا يتخوفوا من هذه الزيادة في الأسعار. فالمسألة مؤقتة ويزعم باختصار أنه لا توجد علاقة بين الزيادة في عرض النقد والزيادة في الأسعار. فهذه العلاقة لم تعد موجودة وضرب أمثلة عديدة على ذلك من ضمنها ما حصل في 2011 عندما ارتفعت الأسعار مؤقتاً نتيجة لارتفاع أسعار البترول، غير أنها بعد فترة عادت مرة أخرى لوضعها الطبيعي. ويتهم كروجمان بأن من يروج لعودة التضخم هم سماسرة العملات الرقمية الذين يزعمون بأن البنوك المركزية لديها نزعة طبع الأوراق المالية دون أية رقابة فعلية. ويُضيف كروجمان بأن الاعتقاد بعودة التضخم يرجع إلى مجموعة من المغالطات السائدة بين الاقتصاديين. أولها أن الزيادة في عرض النقد مباشرة تؤدي إلى التضخم دون أن يؤدي ذلك إلى زيادة كبيرة في النشاط الاقتصادي. المغالطة الأخرى هي، حول التغير الذي يحصل في حالة ما تكون أسعار الفائدة متدنية كما هو الحال في الوقت الراهن. فهذا الوضع يجعل الناس لا تفكر كثيراً في التوفير، وإنما تحاول دائماً الانفاق في شراء سلع و خدمات لانخفاض العائد. وذلك بطبيعة الحال يقود إلى زيادة في عرض النقد دون أن يُقابلها زيادة في الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعل نسبة الناتج المحلي إلى عرض النقد تنهار.

أما بالنسبة للمدرسة الأخرى المدرسة النقدية، فعادة يُمثلها مليتون فريدمان وآخرون، أو ما يسمى بالاتجاه النقدي، والتي تزعم بأنَّ العلاقة بين الزيادة في عرض النقد والتضخم هي علاقة واضحة ودامغة. وأن الزيادة الحالية في عرض النقد التي بلغت نسبتها في بداية العام 28% وتراجعت إلى 24% في أبريل لابد أن تؤدي إلى زيادة كبيرة في التضخم. وأن هذا الارتفاع في أسعار المستهلك ستُهدد برنامج جو بايدن للتعافي الاقتصادي.

الأثر المباشر لعودة التضخم، أن البنوك المركزية ستضطر لرفع أسعار الفائدة مما سيُهدد التعافي الاقتصادي في العالم، كما إن ارتفاع أسعار الفائدة، سترفع تكلفة خدمة الدين العام مما سيُضيف مزيداً من التكلفة على الدول النامية والفقيرة والتي بالأصل تناضل من أجل دفع الديون ومحاولة تنشيط الاقتصاد.                                                                      ولكن هل عودة التضخم في الغرب مثلا، ستؤثر على نسب التضخم في السلطنة. إن غلاء الأسعار العالمية سيؤثر على التضخم المستورد وخاصة أن السلطنة بلد مستورد لمعظم السلع الاستهلاكية.

وخلال العام الجاري، من المتوقع أن يبلغ التضخم في السلطنة 3.8%؛ وذلك نتيجة لتطبيق القيمة المضافة، لكن صندوق النقد الدولي في تقريره المنشور مؤخراً في أبريل يتوقع بانخفاض نسبة التضخم إلى 2.5%، وهنا يجب أن نذكر أن أحد المكونات في أسعار المستهلك والتي تكبح نسبة التضخم وهي الإيجارات؛ حيث انخفضت بنسبة كبيرة غير أن معظم العُمانيين لا يستفيدون من ذلك؛ لأنهم يسكنون في بيوتهم الخاصة أو لدى عائلاتهم.