كيس الفحم

 

وداد الإسطنبولي

أصابتني الحيرة وأنا أُمعن النظر إلى داخل كيس الفحم، وكأني أنظر إلى منظر جميل يُبهج الأنظار، وأندهش من تصرفي هذا، وإطالة النظر إلى تلك الفحمات السوداء. وبينما أنا على هذا الحال، وجدتُ نصف الفحم أصبح ناعماً يمتلىء به قاع الكيس، أحسب قوامه لم يتمالك نفسه، خلال رحلة  تنقله إلى أن وصل إلي، فتفتت ما يتغلل داخله، وتناثرت جزيئاته داخل الكيس.

وأتعجب إذا قرأت عن أكياس الفحم، كم نمقوها وصنعوا لها أكياس جميلة وأنيقة، ليتزايد الشراء عليها، فهي لا صورة لها ولا قفاء.... فحم أسود. وفي هذا المضمار، كان ولابد أن  يكون لمعالي الفحم الموقر، نضال شاق إلى أن يصل إلى هذه الدرجة من الثراء البصري، وبقدر فائدته في الحياة، إلا أن رائحته أحيانا تُضيق الخناق، خاصة عند تزايد اشتعال ثاني أكسيد الكربون فيه.  وصدقا... أفكر بوجوده باستنكار! إذ يُشعرني بالخوف والرعب، فقد أتى من النار، والنار لا تأتي إلا من مستصغر الشرر، فعلي أخذ الحيطة والحذر... عموما.

وبالمثل... فهناك وجوه جميلة قادرة على الإقناع والاستخفاء ككيس الفحم، مزينة بكل أدوات الزينة والبهرجة الخارجية، ولكن إذا غطست في كل الاتجاهات الداخلية لها، تبعث تلك الوجوه لك التوجس والريبة -وكأن لسان حالها يقول- المظهر أنيق ولكن بداخلها حطام أسود.

هؤلاء أصحاب الأقنعة المصطنعة، يتلونون على كل الألوان، وكيف لهم القدرة على التعايش إلى أن تكتمل المزهرية المزخرفة،  لتخطف الأنظار، ولا أراها إلا شبكة للفريسة، ومصيدة للضعفاء.

يبطنون خلاف ما يظهرون!  فربما فشلوا في حياتهم، وأصبحت هذه الظاهرة مرض نفسي ينشروه ليتفاقم، وللأسف لن يتفاقم إلا على القلوب الطيبة البسيطة، التي ترى كل شيء بعيون الصدق ودفئ القلب.

اتمنى  ألا أكون قد ظلمت كيس الفحم، ولكن بالفعل كلما  تلفتُ أمامي وخلفي، أجد  الأدلة والبراهين الحسية تدينه، قد لا يحمل نقًا (**)، ولكنه يتنفس زفيرًا لاهبًا.

 

فتحتُ عيني اندهاشاً، وأنا أقلب صفحات "عمو جوجل" يومًا، فإذا بي أرى أحد النجوم الذي اشتهر اسمه في ساحة السوشال ميديا قريباً، يضع صورته على كيس الفحم، ربما لينال ذلك المنتج إقبالاً على شرائه من العامة، ومما لفت انتباهي أن الشركة المُنتجة هي لإشعال الأرجيلة،  ويا للسخرية (بابتسامة ساخطة).... ماذا تفعل الأرجيلة في أجسادنا وأفكارنا؟! ولماذا ابتلينا بها؟!

أليس مصدر البلاء هو كيس الفحم ذاك؟!

ويحضرني بيتا قاله أحد الشعراء العباسيين ربما يناسب هذا المقال:

يُعطيك من طرف اللسان حلاوة

ويروغ منك كما يروغ الثعلب

***************

النق: صوت الضفدع أو الدجاج.

تعليق عبر الفيس بوك