فلسطين قضيتنا الأولى

 

د. خالد بن علي الخوالدي

khalid1330@hotmail.com

 

تعلمنا منذ الصغر أن "فلسطين داري ودرب انتصاري"، تعلمنا في مدارسنا بأن "بلاد العُرب أوطاني// من الشام لبغدانِ// ومن نجدٍ إلى يمنٍ // إلى مصرَ فتطوانِ"، "لسان الضاد يجمعنا// بغسانٍ وعدنانِ"، تعلمنا أنَّ "المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه"، وعلمتنا الدروس التاريخية أنه مهما طال الظلم إلا أن الحق سينتصر، وفلسطين العربية طال احتلالها والأقصى الشريف طال التطاول عليه وعلى المصلين فيه، وها هم الرجال يحاولون إرجاع صوت (الله أكبر) في كل ربوع فلسطين العربية والإسلامية، وسوف يتحقق لهم ما يسعون إليه.

نعم سيتحقق ما يسعون إليه فهناك وعد رباني لا جدال فيه، فقد قال المولى سبحانه (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ). فالحق ولو تقادم عليه الزمن إلا أنه لا يسقط ولا يضيع، ولنا في التاريخ عبرة وذكرى، فقد استمر الاحتلال الفرنسي للجزائر 132 عامًا، شهدت صولات وجولات وتضحيات وقد قدم أبناء الجزائر أرواحهم فداءً لوطنهم حتى سميت بلد المليون شهيد.

وفلسطين تمضي على نفس الوتيرة؛ فمهما طال الاحتلال الغاشم، إلا أن أبناء أبو عبيدة سيقدمون أرواحهم فداء لأجل فلسطين ولأجل الأقصى، وما علينا نحن العرب والمسلمين إلا دعمهم بالقول والفعل والمال؛ فالمولى سبحانه وتعالى قال في محكم التنزيل: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ).

لقد أعدت المقاومة الأسباب الحقيقية للنصر رغم قلة الإمكانيات والحصار الشديد من قبل الاحتلال الصهيوني وعدد من الدول العربية التي للأسف الشديد خنقت قطاع غزة سنوات طويلة، ولو كان المجال مفتوحاً لأبطال المقاومة لرأينا أكثر مما نشاهده الآن، وما نشاهده ونتابعه خلال الأيام الماضية قد جعلنا نستبشر خيراً ونرفع رؤوسنا فخراً وعزاً، فلأول مرة نرى صواريخ المقاومة المصنوعة محلياً تصل إلى تل أبيب والمدن القريبة منها، وهذا في حد ذاته يُرعب العدو، ويجعلهم يعيشون في خوف وقلق ورعب، وإذا ما استمرت المقاومة على نفس النهج فلن يطول تحمُّل المستوطنين الذين لا حق لهم في أرض فلسطين إلا شهورا قليلة، فالفارق بينهم وبين أبناء غزة أن هؤلاء يحبون الحياة وأبناء غزة يحبون الشهادة في سبيل الله وفي سبيل تحرير الأقصى من براثن اليهود الغاصبين، وما علينا نحن المسلمين إلا الوقوف معهم بكل السُبل والوسائل.

ولله الحمد إن هناك تحركاً شعبياً وحكومياً ملفتاً من قبل العديد من الدول العربية والإسلامية لدعم القضية الفلسطينية، وحركة المقاومة كما يتعاطف عدد من الشعوب في عدد من الدول غير العربية التي تدرك القيمة الإنسانية مع حقوق الشعب الفلسطيني التي تسلب أرضه وتنتهك حقوقه ويشتت شعبه في مختلف الدول.

ويمكن أن نذكر في هذا المقام الموقف العُماني الذي أثبتت من خلاله الحكومة والشعب بأنهم جنباً إلى جنب مع كل ما يخص القضية الفلسطينية، وكانت الوقفة الشعبية مشهودا لها بالكلمة والفعل من خلال التفاعل الكبير في مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال بذل المال من خلال الهيئة العُمانية للأعمال الخيرية ففي خلال 72 ساعة فقط تم جمع 100 ألف ريال عُماني، وسوف تستمر هذه الجهود الخيرة من أجل نصرة إخوتنا في فلسطين، ومن أجل نصرة المقاومة حتى نرى النصر المبين.

ونختتم هذا المقال بما قاله سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة: "إن المقاومة الباسلة ببطولتها النادرة، وتضحياتها العظيمة وخططها الموفقة غسلت عن جبين هذه الأمة عارًا تلطخت به ردحًا من الزمن، فتمرغت في أوحال الذل، وتساقطت في دركات الهون. وقد أثبتت المقاومة بذلك أن مشكلات هذه الأمة لا تحل إلا بالاستمساك بالعروة الوثقى من الدين، ولقد أثبتت الأحداثُ الأخيرةُ في الأرض المحتلة أنَّ قوَّةَ الإرادةِ هي أعظمُ من أن تُقهرَ بقوةِ السلاح، وأنَّ الإيمانَ هو أقوى عتادٍ في مواجهةِ العدو، وفي هذا عبرةٌ للمتخاذلين الذين رضوا لأنفسهم الهُون، واستكانوا لمن لم تُفِدهم استكانَتُهم عنده شيئا، بل زادتهم خِسَّةً وذُلًّا"..

وليس بعد كلمات سماحته حديث، ودمتم ودامت عُمان بخير.