عيد الشرف

هند بنت سعيد الحمدانية

يقول المتنبي:

عيد بأية حال عدت يا عيد

بما مضى أم بأمر فيك تجديد

عاد العيد علينا بحال جديد .. يذكرنا بالقديم، لن أندد الحال، ولن أخبركم عن الأحزان وعن مأساة شعب الكفاح ولا عن مصير أهالي حارة الشيخ جراح، ولكني سألون لكم اللوحة بألوان مختلفة من الأمل والفرح، وعودة المشاعر والروح التي افتقدتها الشعوب العربية والمسلمة، كل ما حدث ويحدث خلال هذه الأيام هي بشرى لنا نحن الشعوب الصادقة الوفية، أعادت فينا روح الحقيقة، وانتزعت قشور القلوب التي جفت وتعفنت منذ عشرات السنين، أعادتنا الى كتب المدرسة القديمة، وقصائدها التي ترعرع عليها الوطن العربي بأسره:

فلسطين داري ودرب انتصاري

تظل بلادي هوى في فؤادي

ولحنا أبيا على شفتيا

وجوه غريبة بأرضي السليبة

تبيع ثماري وتحتل داري ......

أنا لست بناقد ولا فيلسوف ولا أديب، بل أنا عربي مسلم بسيط حملني شوقي الأزلي القديم من منصة إذاعة المدرسة كل صباح، عندما كنت أصدح بصوتي الجهور بعد كل مجزرة وغارة، فمعظمنا أبناء الستينات والسبعينات والثمانينات تهذبنا على أيدي المعلمين العرب الأكفاء، وبفضل مناهجنا التي كانت تعزز فينا قضيتنا الأم (القضية الفلسطينية) وقيمنا المشتركة.

يقول نزار قباني:

يا قدس.. يا مدينتي..

يا قدس .. يا حبيبتي..

غدا .. غدا .. سيزهر الليمون..

وتفرح السنابل الخضراء والزيتون..

وتضحك العيون..

وترجع الحمائم المهاجرة..

الى السقوف الطائرة ..

ويلتقي الآباء والبنون..

على رباك الزاهرة..

يا بلدي ....

يا بلد السلام والزيتون..

العيد في عشرين واحد وعشرين .. هو عيد الفرح .. عيد الشرف .. عيد التكاتف، فبعد سبات عميق لكل شعوب الأمة، جاءت معركة حارة الشيخ جراح (سيف القدس) ، تذكرنا أن القلوب لم تغفل وأن الضجيج لن يسكن أبدا، وبأننا كنا وما زلنا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

فليكبر الرجال .. ولتزغرد النساء، فإن شرف الأمة ووفاء كل الشعوب حي ينبض لا يعرف طريقا للموت، بل أنه علمنا معنى الصمود، لا نحتاج لإدانة الحكومات ..لا نحتاج للجيوش .. لا نحتاج لحملات المشاهير، فكل هذه الشعوب من أقصاها إلى أدناها أتمت لوحة الشرف القدسية العتيقة وأثبتت للعالم كله أنه مهما طال الزمان واشتد الظلم، ومهما تآمر أصحاب النفوذ والقوة فإن القوة لله جميعا، وأن الشعوب باقية على الوفاء، مستعدة للتضحية بالمال والحال من أجل مسرى نبيها ومن أجل وعد ربها، وهنا يكمن سر العيد هذا العام وفرحته التي توجتها جنائز الشهداء العزل، جنائز من كانت أسلحتهم حجارة الأرض وجبهة السجود، فليكبر الرجال .. الله أكبر .. الله أكبر .. ولتزغرد النساء، فهنا عشرات الابتسامات لشهدائنا الأبطال من أطفال وشباب خرجوا في مواكب الزفاف نحو جنات الخلود.

مازلت أشعر بشرف الفلسطيني كلما رأيت والد صديقتي أمل الفلسطينية يجول شوارع مدينتي صحار، وبدون إحساس مني وبدون سابق إنذار .. لا أجدني إلا ترجلت من سيارتي مسرعة نحوه، مرحبة بهذا المناضل السبعين، الذي قضى معظم حياته معلما في بلادي وحتى بعد تقاعده لم يفارق هذه البلد، لأنه أصبح جزءا من هذه الأرض وهذه المدينة، ظل هنا بعد أن سلبت هويته الفلسطينية منه، وحرم من تراب وطنه ومن رائحة أبنائه ودفء بيته.

لأصحاب الكلمة في كل الوطن العربي، لا نريد منكم الكثير  ولا المعجزات، فقط أعيدوا فلسطين داري ودرب انتصاري إلى مناهجنا، واسمحوا برسمها في خرائط التاريخ، وابقوا على ذكرها في آيات كتاب الله، فالجيل القادم يحتاج إلى منارات قدسية تنير له الدرب والقضية.

في الختام ... هل تحريتم هلال العيد هذا العام، هل تحريتم هلال الشرف الذي أضاء سماء فلسطين .. سماء غزة والقدس، هلال العزة التي تاقت أرواحنا إليها، وليعذرني المتنبي لما سأقول :

عيد بأجمل حال عدت يا عيد

بهلال عز وشهيد حفته الزغاريد

تعليق عبر الفيس بوك