المحامي محمد المعمري يكتب: أسئلة وأجوبة حول ضوابط منح الأراضي الحكومية

محمد بن سعيد المعمري **

نسلط الضوء في هذا المقال على ضوابط منح الأراضي الحكومية السكنية بموجب القانون الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 42/ 2021 بتاريخ 6/ 5/ 2021م والمنشور في الجريدة الرسمية العدد رقم (1391) بتاريخ 9/ 5/ 2021م، وبالاطلاع عليه، فإنه يتضح بما لا يختلف عليه اثنان أن المرسوم السلطاني جعل قوام المنح هو الأسرة؛ إذ إن أحقية المنح ليست للفرد، كما كان معمول به سابقا؛ بل للأسرة؛ باعتبارها النواة المكونة للمجتمع، والتي تستحق كل عناية واهتمام.

وجعل المرسوم استثناءً من هذا الأصل بمنح الرجل أو المرأة في حال إن كان أحدهما معيلًا لنفسه، شريطة ألا يقل سنه عن 40 سنة.

لاحظنا ردود أفعال مختلفة إثر صدور القانون، غلبت على بعضها الامتعاض، وهو أمر طبيعي وصحي؛ فالضوابط السابقة كانت تجعل كل مواطن محلًا لحق المنح، وهو بلا ريب ميزة أكبر، إلا أن التطبيق الواقعي أفرز أن كثيرًا ممن يحصلون على تلك المنحة لا يستفيدون منها؛ بل تضيع منهم حتى قبل أن يحصلوا عليها؛ إذ يعمدون إلى بيعها في مرحلة الإيصال فقط، وأروقة المحاكم شاهدة على دعاوى كثيرة كان سببها بيع إيصالات الأراضي.. لذلك فإن القانون لم يأتِ من رحم الفراغ؛ بل جاء بعد مخاض الواقع غير الصحي.

نعود للتأكيد على أن ضوابط المنح وفقا للقانون الجديد تستهدف تدعيم الكيان الأسري وتقوية أواصر العلاقة الأسرية، من خلال توفير بيئة مستقرة، عندما يكون سند ملكية الأرض باسم الزوجين؛ ذلك أن الملكية المشتركة أدعى للحفاظ إلى رباط الأسرة؛ وهذا لمسناه من الواقع العملي لممارستنا مهنة المحاماة.

نشير هنا إلى أن نطاق سريان هذا القانون يشمل جميع الطلبات التي لم يُبت فيها سابقًا وأيضًا الطلبات الجديدة، تطبيقًا للمادة الثالثة من المرسوم. هذا السريان تم أخذه من فلسفة تشريعية قانونية سليمة؛ حيث استقر إفتاء وزارة العدل والشؤون القانونية على أنه: "لا ينهض التشريع منطبقًا إلا على ما يقع من تأريخ العمل به، وتنحسر ولايته على ما يكون حاصلًا قبل ذلك العمل، ويستثنى من ذلك إذا كانت الأوضاع القانونية في دور التكوين ولم تستكمل وجودها في ظل التشريع القديم الذي كان يحكمها وإنما استكملت أطوارها في ظل التشريع الجديد؛ فيسري عليها التشريع الجديد بما له من أثر فوري ومباشر، وأما إذا تكاملت هذه الأوضاع وتوافرت العناصر اللازمة لإنشائها فإنها تظل محكومة بالتشريع الذي نشأت وتكاملت في ظله".

ننتقل لأهم التساؤلات التي أُثيرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فقد ذكر بعض المشتغلين بالقانون وجود تعارض بين هذا القانون والمادة (56) من قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 32 /97 والتي تنص على أنه: "على الزوج أن يهيئ لزوجته مسكنًا ملائمًا يتناسب وحالتيهما"، من حيث أن المنوط به توفير المنزل هو الرجل باعتباره المعيل للعائلة؛ مما لا يصح معه أن تشترك الزوجة في ملكية الأرض السكنية، ويُجاب على هذا أنه لا تعارض بين المادة آنفة الذكر مع القانون محل المقال الماثل؛ ذلك أن المُشرِّع أورد المادة (56) على سبيل الإلزام القانوني على الزوج؛ باعتباره المعيل للأسرة والمسؤول عنها شرعًا وقانونًا، فهو ملزم من حر ماله بالنفقة عليها وعلى أبنائه. أما هذا القانون فجاء منحة من المشرع، ولا يسأل المانح كيف ومتى ولماذا يمنح؟! فالمُشرِّع له السلطة التقديرية بما يفرضه الواقع وتمليه الظروف في ذلك الزمان والمكان.

وقد ضجت وسائل التواصل الاجتماعي في الموضوع مثار المقال بين معلق على القانون وبين متسائل، ومن جملة هذه التساؤلات: ما مصير من اشترى إيصالات الأراضي السابقة؟ هل يحق للمشتري المطالبة باسترجاع مبالغه؟

الجواب: نعم، له الحق في استرجاع ماله؛ ذلك أن البيع باطل شرعًا وقانونًا؛ حيث يعد بيع ما لا يملك ويبطل معه البيع؛ تطبيقًا للمواد (115- 116- 117) من قانون المعاملات المدنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 29 /2013؛ حيث إنه إذا لم يكن المحل معينًا تعيينًا نافيًا للجهالة رتب عليه المشرع بطلان العقد برمته، ويترتب على هذا البطلان إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التعاقد وذلك بأن يرد البائع الثمن للمشتري.

ويسأل أحدهم عن آلية إثبات بناء الوحدة السكنية (المنزل) الذي قام الزوجان معًا أو أحدهما ببنائه على الأرض السكنية الممنوحة للزوجين؟ وإجابة على ذلك فإن سند الملكية- كما هو معلوم لدى الأغلبية وفق الإجراءات المتبعة في وزارة الإسكان والتخطيط العمراني- لا يفرِّق في محتواه بين الأرض والمنزل القائم عليها، كما إنه لا توجد أي جهة إدارية توثق المباني بمعزل عن الأرض؛ لذلك فالحل يكمن في إفراغ الواقع الحقيقي لمن قام ببناء المنزل؛ سواء الزوج أو الزوجة أو كلاهما في ورقة عرفية وفق الضوابط المقررة بقانون الإثبات في المعاملات المدنية والتجارية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (68 /2008)، وبذلك فإذا ما نشب خلاف فيمن قام ببناء المنزل؛ فيكون مرده للثابت بالورقة العرفية.

أما عمّا أثاره البعض من جواز توثيق ذلك أمام الكاتب بالعدل، فإنه تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن ما يتم توثيقه أمام الكاتب بالعدل هو إقرار بديْن، ولا يتم توثيق سبب ذلك الديْن، وبالتالي فإنه لا يكفي من أجل إثبات الحق.

وذُكر أن المرسوم مزج بين الذمم المالية للزوجين؛ وهذا القول ليس سليمًا؛ ذلك أن إشراك الزوجين في سند ملكية واحد لا يعد مزجًا للذمم، فلكلٍ ذمته المستقلة، وإنما تشترك هذه الذمم في ملكية عقار على الشيوع، وفي حال أرادا إنهاء حالة الشيوع فإنهما يلجآن للطريق الذي رسمه القانون، فلا يُعدُّ ذلك مَثلبًا في القانون، فضلا عن أن هناك كثيرًا من التصرفات تؤدي إلى اشتراك الذمم المالية بين أشخاص لا تربطهم ببعضهم أية صلة، وعليه فإن كان هناك ارتباطًا للذمم المالية للزوجين فهو أمر أدعى للقبول والمباركة، خاصة في ظل ما نعيشه من التكاتف الملحوظ الذي فرضه الواقع على الزوجين في ظل الحياة المتزايدة الصعوبة.

كما يُطرح على ساحات التواصل الاجتماعي أنه في حال الفرقة بين الزوجين؛ فمن له الحق بسند الملكية؟

الجواب: سند الملكية سيبقى ملكًا للاثنين شأنه شأن أي عقار آخر، وهنا بإمكان بقاء الشراكة قائمة بجعل العقار للإيجار، أو بيع العقار بمراعاة أن يأخذ كل ذي حق حقه مما صرفه في المنزل، وأيضًا مراعاة أن الشُفعة للشريك الآخر؛ ارتكانًا إلى المادة (904) من قانون المعاملات المدنية المشار إليه أعلاه. وفي حالة رغبة الطرفين كلاهما في شراء العقار فإنه يتم المزايدة بينهما بحسب المتبع.

والتساؤل الأخير من جملة التساؤلات التي نتعرض إليها بالمناقشة هو: فيما إذا تزوج الرجل بامرأتين فهل يجوز منحه أرضين؟

يُثير البعض هذا التساؤل ويُعده فراغًا تشريعًا؛ لعدم وجود نص صريح في هذا الشأن، وربما يكون تساؤلهم في محله، ولا نجدُ من نصوص القانون ما يجيب على ذلك، سوى ما نص عليه البند السادس من ضوابط منح الأراضي الحكومية السكنية؛ حيث عمد المشرع إلى وضع ضوابط وشروط عامة ومجردة لاستثناء بعض الطلبات بمنح الأراضي الحكومية السكنية بقرار من وزير الإسكان والتخطيط العمراني، مع مراعاة أن هذا القرار لا يستكمل شكله القانوني إلا بعد موافقة مجلس الوزراء.

وفي الختام.. فإن ما دار من رحى التساؤلات والقبول والرفض والمباركة والاعتراض، أمر صحي على الساحة العمانية، فلا ريب أن هذه النقاشات تثري الموضوع محل الجدل، مما قد يدفع إلى التعديل والتغيير والتطوير، ونحن مع الكلمة الهادفة التي تصدر عن علم وبصيرة، والله من وراء القصد.

** محامٍ ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك