الدال على الخير كفاعله

 

علي حمد عبدالله المسلمي

aha.1970@hotmail.com

 

أتى رجل إلى النبي عليه أفضل الصلاة والسلام فسأله فقال: ما عندي ما أعطيك، ولكن إئت فلاناً، فأتى الرجل فأعطاه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دلَّ على خير فله أجر فاعله أو عامله".

  من منطلق ذلك يقودنا هذا الحديث النبوي الشريف ونحن في ظل هذه الجائحة، وما ترتب عليها من أزمات اقتصادية واجتماعية وصحية حادة إلى الأخذ بهذا المبدأ الرفيع؛ حتى ننال الأجر العظيم من ربٍ كريمٍ لفك كربة عن مُعسرٍ أو إطعام مسكين أو يتيم قريب" فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبة" ولا سيما ما تعجُ به وسائل وشبكات التواصل الاجتماعي، والصحف المقروءة بأنواعها بين الفينة والأخرى من أخبار عن المسرحين من أعمالهم، أو من تقطعت بهم السبل في توقف أعمالهم من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والتي أدت إلى إفلاسهم مما أدى إلى تبعات مالية أدت بهم إلى غياهب السجن، أو ممن لم يجدوا قوت يومهم وعلاج أنفسهم.

فمن منظور أخلاقي ومجتمعي ولاسيما أن المجتمع العُماني مجتمع مترابط ومتكافل اجتماعياً، ومتراحم إنسانياً فقد ظهرت ملامحه أثناء الأزمات المختلفة مثل الأعاصير التي تعرضت لها السلطنة سابقاً فمن ضلكوت جنوباً حتى مسندم شمالاً تكاتفوا مع المحنة كلٍّ وفق قدراته، وإمكاناته ولو بالكلمة الطيبة.

فالكلمة الطيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، كما ذكر لي أحدهم مرة أن صديقاً له من أبناء قريته عصفت به الظروف المادية مثلما عصفت بغيره في ظل الجائحة التي عانى منها الكثير من أبناء بلده. فقد ظهرت عليه آثار اليأس والحزن، وكأنما الدنيا أظلمت في وجهه، حينها طبق معه ذلك المثل الدارج "لا تعطني سمكة بل علمني كيف اصطاد" فاصطحبه إلى إحدى المحلات التي تعمل في تنظيف مصابيح السيارات، فطلب منه أن ينظر ليتعلم تلك الحرفة بمهارة ليشتري له بعدها المواد اللازمة التي يحتاج إليها حتى يمتهن تلك المهنة الشريفة، التي ربما تكون له عوناً ومساعداً ليوفر قوت يومه، فالعفة مع العمل الصالح، والأمانة خير من السؤال، كما جاء في حديثه عليه الصلاة والسلام عندما قال: "لئن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه" وأجمل ما يأكله الإنسان، هو ما أكله من كسب يده، وفي الأثر "اليد العليا خير من اليد السفلى" وقد قبّل النبي صلى الله عليه وسلم يد رجل يكتسب بها، وقال: "هذه يد يحبها الله ورسوله".

أتقن ذلك الشاب الصنعة فأصبح يكسب رزقه بيده، وأصبحت تلك المهنة التي قد يترفع عنها البعض مصدر رزقِ له ولأولاده، حتى ذاع صيته، وصار مشهوراً في بلده يقصده الناس؛ ُ ليعيد لهم مصابيح سياراتهم القديمة إلى تحفة أجمل مما كانت عليه في وقتِ زهيدِ مقابل مبلغ من المالِ، وقِس على ذلك العديد من الرؤى والأفكار الخلاقة لدى شبابنا العُماني في الأخذ بيد بعضهم.

فمثل هذه المبادئ المُستقاة من ديننا الحنيف تفتح لنا رؤى وأفكارا نستطيع من خلالها التدبر، وإمعان الفكر ثم نضع حلولاً لهؤلاء المسرحين من أعمالهم، أو ممن تعسرت أمورهم المادية "إن مع العسر يسرا". ولا نرمي الثقل على كاهلِ الحكومة فقط، فكل واحدِ منِّا مسؤول في بلده يقدم قدر استطاعته ولو بالكلمة الطيبة المثمرة، وبذلك نخفف من وطأة المشكلة، ونأخذ بيدهم لنوفر لهم سُبل الحياة الكريمة، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: "من سن سنة حسنة فله أجر من عمل بها".

 

تعليق عبر الفيس بوك