الكنز الثمين للمبتكرين

 

لمياء السعدية

مختصة في الملكية الفكرية بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار

 

 

كثيراً ما نسمع أن نظام الملكية الفكرية هو نظام احتكاري يُعطي المُبتكر حقاً استئثارياً، ويمنع الآخرين من الاستفادة من المعارف والابتكارات التي توصل إليها العلم، ولكن هل تعلمون ما هي الحكمة من وراء هذا الحق الاستئثاري؟ إنَّ نظام الملكية الفكرية صُمم لتكريم المبتكرين والباحثين وتشجيعهم على بذل المزيد من الجهد؛ لمواصلة الابتكار والمساهمة في التقدم والتطور التكنولوجي في العالم؛ فهي تثبت حقهم في ابتكاراتهم بإعطائهم الحق الحصري للاستفادة منها مالياً، وهذا يشكل حافزاً مادياً ومعنوياً لهم؛ نظير اجتهادهم وبذل الجهد والمال والوقت في البحث والتطوير للوصول إلى نتائج علمية يكون لها الأثر الكبير في تطور وارتقاء البشرية. فهل سيسعى المبتكرون لمواصلة بحثهم وابتكاراتهم لو لم يتوفر لهم هذا الحافز؟!

 وهذا الحق الاستئثاري لبراءات الاختراع يكون لمدة 20 عاماً، وبعدها يصبح الاختراع أو الابتكار في الملك العام وبإمكان أي شخص الاستفادة منه. كما أن هذا الحق في براءة الاختراع يكون مقابل الكشف الكامل عن تفاصيل الاختراع أو الابتكار، وتكون هذه التفاصيل متوفرة في قواعد بيانات خاصة لبراءات الاختراع، وتشمل جميع البراءات المسجلة في كل بلدان العالم، وبهذا تتحقق المعادلة العادلة بين حق المبتكر في الاستفادة من ابتكاره والمصلحة العامة للبشرية. وهذا هو الكنز الثمين الذي يُهديه لنا نظام الملكية الفكرية، وهو معلومات براءات الاختراع في قواعد البيانات التي تُعتبر ثروة معلوماتية هائلة تُسهم في إثراء حصيلة المعارف التكنولوجية في العالم والتي تؤدي إلى التشجيع لبذل المزيد من الإبداع والابتكار في مختلف المجالات.

إنَّ عدم وجود نظام للملكية الفكرية يعني أنه لن يكون هناك ما يلزم المبتكرون والمخترعون بالكشف الكامل عن تفاصيل ابتكاراتهم. وقد يحتفظ الكثيرون بها كأسرار في طي الكتمان حتى يتسنى لهم الاستفادة المالية من ابتكاراتهم، وستقف الكثير من الابتكارات عند ذلك الحد! فلك أن تتخيل أن ما يشهده العالم الآن من تقدم تكنولوجي، وتطور سريع في مجال التقنية لم يكن ليتحقق لو لم يكن للمبتكرين الحق في الحصول على تفاصيل التقنيات السابقة، بل وسيبدأ الكثير من المبتكرين من نقطة الصفر وليس من حيث انتهى إليه الآخرون، ولن نشهد حتماً هذا الحراك السريع في التقدم التكنولوجي والمعرفي.

إن الثروة المعلوماتية التي توفرها قواعد بيانات براءات الاختراع تزود المبتكرين بالمعرفة والأفكار التي تساعدهم على حل المشاكل التقنية في مجال اهتمامهم، فباستطاعتهم الاطلاع على تفاصيل الابتكارات المسجلة في كل بلدان العالم والتي تم نشرها في قواعد بيانات براءات الاختراع، وبإمكانهم الاطلاع على تفاصيل ابتكارات نُشرت بالأمس أو اليوم أو حتى قبل عشرات السنين. كما يمكنهم الاستفادة من قواعد بيانات براءات الاختراع بالاطلاع على الابتكارات "خارج البراءات"، وهي الابتكارات التي آلت إلى الملك العام بانقضاء فترة حمايتها، وذلك بتصنيعها وتسويقها دون أن يكون هناك انتهاك حقوق الملكية الفكرية فيها. وتشمل الاختراعات والابتكارات "خارج البراءات" أيضاً البراءات المحمية في بلد ما ولم تُسجل في البلد المراد استخدامها فيه. فمثلاً إذا كان ابتكار حاصل على براءات اختراع في بلد ما ولم يتم تسجيله كبراءة اختراع في السلطنة فيمكن للشركات في السلطنة تصنعيه وتسويقه دون أن يكون هناك انتهاك لحق البراءة فيه، وذلك وفقاً لمبدأ الإقليمية لنظام الملكية الفكرية وهو أن حقوق الملكية الفكرية المكتسبة بموجب قوانين بلد ما صالحة فقط داخل أراضي ذلك البلد وليس خارجه. وكمثال على ذلك: إنتاج الأدوية المكافئة أو ما يسمى أيضاً بالأدوية الجنيسة والتي تكون بتحديد المستحضرات الصيدلانية أو الأدوية التي لم تعد محمية ببراءات الاختراع، وتصنيعها بتكلفة منخفضة وبجودة عالية.

وخلاصة القول، إن فائدة قواعد بيانات براءات الاختراع ليست فقط للتأكد من تحقق شرط الجدة في الابتكار عند تسجيل براءة الاختراع، وإنما هي ثروة وكنز ثمين من المعلومات والمعارف التكنولوجية والتي إن تم الاستفادة منها بالشكل الصحيح ستُسهم وبلا شك في زيادة القدرة الابتكارية لدى أبنائنا الطلبة والمبتكرين والمهتمين بالمجال التقني والتكنولوجي.   

 

 

 ****

الكاتبة حاصلة على ماجستير في قانون الملكية الفكرية من جامعة تورينو بالتعاون مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية، وعضوة بالجمعية العُمانية للملكية الفكرية.

تعليق عبر الفيس بوك