أنيسة الهوتية
المريض بداء الكذب الأبيض المتوسط يظن أنَّه يمزح، أو ينقذ موقفاً، أو يتذاكى على أصحابه وأهله بدهاءٍ تفادياً للنقاشات، والتصادمات، وَتَسَتُرا على أمور! وأن كذبه المتوسط ليس ذا ضررٍ حاد! ولكن، حبل الكذب قصير، والحقيقة ستُكتشف أو أنها فعلاً مُكتشفة وإن كانت الكرة بين قدميه إلا أنه يلعب بها في ملعب مفتوح دون أن يشعر بنفسه، والدائرة دارت عليه فأصبحَ هو المُستغَفَل وليسَ المُستَغفِل، وتَمَ إرخاءَ الحبل لهُ برضاهم، كي يشد ويشد على راحته حتى تصل نهايته. وها قد أصبحَ "جوكراً" أمام أعينهم، يستمتعون بكذبه كاستمتاعهم بالخزعبلات! أو يخزنون غضبهم عليهِ إلى يومٍ غير معلوم!
وأياً كان لون الكذب، أسود، أحمر، أو أبيض، فإنِّه لا ينفي عن صاحبهِ صفة الكذاب التي ستصاحبه إلى قبره، ويوم قيامه منه ستقوم معه مرافقة له فتشهد عليه أمام الله عز وجل والخلق أجمعين يوم الحساب.
ومهما تعددت ألوانه إلا أنه يبقى كذباً وقائلها كذاباً، فمن أنزل الضَرر بكذبه على أحد، أو حمى بكذبه من المضرة أحدا! فكلاهما كاذبان والحكم بيد الله تعالى عليهما حسب نواياهما، والكذب شعبة من شعب النفاق وهو ينقض الإيمان والتقوى ويُذهب مُروءة الإنسان. وحماية الجاهل بالكذب من العقاب تزيده جهلاً.
ولأنَّ الدين أباحَ بشهادة أهل التفسير والعلم ثلاثة أنواع للكذب وهو: الكذب في الحرب، والكذب للإصلاح بين النَّاس، والكذب لإرضاء الزوج أو الزوجة! اتخذ السفهاء تلك الإباحة حُجةً، وأصبحت الأخيرة شماعة يعلقون عليها أنواعاً من الكذب الملون بألوان قوس قزح، إتقاءً للنقاشات، والمصارحات، دون إدراك أنهما سيصبحان زوجين كذابين على بعضهما البعض أو أحدهما كذاب على الآخر، وتُحرَم هذه الحياة الزوجية من الشفافية والتقدير والاحترام! فالشفافية لاتعيش مع الكذب في بيتٍ واحد. وتتحول إلى حياة زوجية مبنية على مبدأ الإفادة والاستفادة يحتال كل واحدٍ منهما على الآخر بحجة المحافظة على وتيرة الأمن والأمان الوهمية! والأصل أن الكاذب جبانٌ ليست لديه شجاعة المصارحة والمواجهة ولا يمتلك قدرة الاحتواء!
وفي محرك البحث "غوغل" وصل عدد البحث عن جملة (زوجي كثير الكذب) و(زوجي يكذب عليَّ) إلى 2658308 أبحاث، لنساء يحاولن إيجاد حلول للتعامل مع أزواجهن الكذابين! وبنسبة 523 كان البحث على جملة (زوجتي تكذب كثيراً)، (زوجتي كثيرة الكذب)، فهل يا ترى هذا يعني أن الزوجات أقل كذباً من الأزواج أم أنهن يتقن الكذب إلى درجة أنَّ الأزواج لا يشعرون بهن!
أما عن كذب الأزواج فقد وصلت إحدى الزوجات إلى طلب الطلاق بسبب أن زوجها كثير الكذب لدرجة أنها فقدت احترامها له، وثقتها به، والشعور بالأمان معه، وراحتها النفسية ومحبتها وكل مشاعرها العاطفية تجاهه، وإن أحسن إليها وغازلها وحادثها بحب وحنان لاتستطيع أن تصدقه لأنها آمنت بأنه لا ينطق إلا كذباً!
وزوجةٌ أخرى رفعت دعوى خُلع بعد رفض الطلاق، لأن زوجها يكذب عليها منذ زواجهما الذي دام خمس سنوات، وَقَد كانت تصبر عليه مُتأملةً أن يتحسن حاله، إلا أنه ازدادَ سوءًا، وفقدت صبرها واحترامها له مع الأيام. ومِن إحدى التصرفات العادية المتكررة أنه يخبرها بأنه سيتأخر في العمل، ولكنه يخرج باكراً ويذهب لتناول الغداء مع أمه!!! هُنا فعله ليس خاطئاً، ولكنه كاذب "صارحها ياخي أو شلها معك!"
أحياناً الفعل المستور بالكذب لا يُغضِب، ولكن الكذب للتستر يجعل المكذوب عليه يفقد ثقته واحترامه وتقديره وعاطفته تجاه الكاذب، خاصة إذا كان إنساناً شفافاً.
والصدق والشفافية أساس العلاقة المتينة القوية المترابطة ليس فقط بين الزوجين، بل في كل العلاقات الحنونة كالأخوة، والأبوة، والصداقة...إلخ