عزف على وتر الوطن

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

(1)

شهر رمضان يكشف أقنعة المجتمعات، ويزيح عن عيونها الغشاوة، ويريها القاع الذي لا يلتفت إليه أحد أحياناً.. فهذه الدعوات التي تصل يومياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي من الجمعيات الخيرية والتي تناشد فيها ذوي القلوب الرحيمة، والأيادي البيضاء المسارعة للتبرع والبذل والعطاء للأسر المعسرة، تبرهن أن الوضع مقلق للغاية، وقابل للزيادة والتمدد، وأن ثمة واقعاً جديدًا لا يرحم علينا معايشته، والحياة معه لفترة ليست بقصيرة، وأن علينا التكيّف مع ظروف بالغة القسوة.

فالحالات المعسرة والمعوزة زادت عددًا، وأصبحت تشكّل جزءا لا يتجزأ من المجتمع، وهي تكشف حجم الفجوة التي شكلتها عوامل متعددة؛ منها ما هو نتيجة قرارات حكومية، ومنها ما هو خارج عن إرادتها، وتظهر مدى تغلغل شبح الفقر في المجتمع، الذي ظل متماسكاً لسنوات رغم تكالب الكثير من الضغوط الاقتصادية والمالية، إلى أن فُتح الغطاء، وظهر المسكوت عنه، وبانت الأمور على حقيقتها، وأصبح على الحكومة إيجاد الحلول الحاسمة، وليس إصدار القرارات فقط.

(2)

بعض المسؤولين يرجعون سبب الفقر والبطالة إلى العدد السكاني الذي لم يتجاوز المليونين ونصف المليون ويعتبرونه "مشكلة قومية كبرى"!!، ويحاولون أن يبرروا عجزهم عن إيجاد الحلول إلى هذا العدد الضئيل من السكان، غير أن الواقع العالمي يقول إن الدول ذات العدد السكاني الذي يقل عن عشرين مليون نسمة- على أقل تقدير- لن تستطيع الاعتماد على نفسها دون اللجوء إلى استيراد العمالة الخارجية، وأنها أكثر احتياجاً للأيدي الماهرة الوافدة، ولن تستطيع هذه الدول- قليلة السكان- التخلص من الحاجة لمزيد من الوافدين، إلا في حال توافر بديل محلي قادر على سد الفجوة بين سوق العمل، والإنتاج، وهذا لا يأتي دون زيادة السكان.

والحقيقة أن المشكلة ليست في زيادة السكان ولا في  قلة الموارد ولكن في إدارة هذه الموارد، والاستفادة من العنصر البشري، والذي يعتبر قوة اقتصادية مضافة ومستدامة لأي دولة، وليس عبئا عليها.

(3)

جاءت ضريبة القيمة المضافة لتزيد من أعباء المواطن، وتضاعف من معاناته اليومية، غير أنَّ هذا المواطن البسيط أصبح أكثر قدرة على امتصاص الصدمات، وصار يتكيّف مع أي قرار حكومي عاجلاً أم آجلا، ورغم أن الضريبة استثنت عدداً من السلع (صفر ضريبة)، إلا أن التجار استغلوا هذه الفرصة السانحة لزيادة الأسعار على كل السلع دون استثناء، تحت نظر وسمع الجهات المختصة، فالمواطن لم يعد يُدقق في الأرقام، ولا في السلع المشمولة بالإعفاء، لأنَّ كل شيء تساوى في نظره، ولم تعد زيادة مائة بيسة أو حتى مائة ريال في أي سلعة تعني شيئاً لديه، لأنه أصبح مؤمناً أكثر من أي وقت مضى، أن التدقيق على الأسعار لم يعد يجديه نفعاً، فالزيادات قادمة من كل حدب وصوب، وأن عليه الدفع دون جدال.

والواقع المنطقي يقول إنه لا يوجد ما يسمى بالسلع المُعفاة من الضرائب، لأنَّ كل ما يرتبط بالتوريد والاستيراد لأي سلعة كانت، قد فرضت عليه الضريبة المضافة أساساً، سواء المواد الخام، أو المعدات الزراعية، أو أسعار الوقود أو أي شيء يتعلق بها، وهذه الزيادة جاءت نتيجة مباشرة لهذه الضرائب، مما يعني في النهاية أن الأسعار تتجه للصعود إلى ما لا نهاية.

والله المستعان...