ماذا أراد أن يقول بن علوي؟

 

علي بن سالم كفيتان

قبل الخوض في موضوع هذا الأسبوع لابُد لنا من وقفة إشادة ببرنامج "ليل مسقط"، الذي يُقدمه الإعلامي موسى الفرعي على شاشة تلفزيون السلطنة منذ بداية الشهر الفضيل؛ حيث تحظى الحلقات بمتابعة غير مسبوقة سواء بشكل مباشر أو عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فالممكنات لنجاح البرنامج بلا شك كانت واضحة وجلية ابتداءً من نوعية الضيوف وهم في الغالب أصحاب معالي خدموا سابقاً أو من وزراء التشكيلة الحكومية الجديدة، كما إن الموقع الجميل الذي يستضيف فيه الفرعي ضيوفه هو دار الأوبرا السلطانية مسقط، وهي معلم حضاري بارز تم توظيفه بشكل مميز لنجاح هذه الحلقات الاستثنائية.

ولن ننسى مقدم البرنامج؛ فهو إعلامي بارز يتميز بهدوء منقطع النظير ولغة عربية جميلة وقدرة على المناورة، قد لا يجيدها غيره، والجدير بالذكر أنَّ الكثيرين مثلي استمتعوا بحوار الوزراء الجُدد وكانت فرصة نادرة لنعلم من أُوكل لهم قيادة دفة الأمور في البلاد في هذه المرحلة الحرجة. ولا أخفيكم، فلم تكن لدي صورة ذهنية لمعظمهم، ولكنني اليوم أملك تصوراً جميلاً تركوه في نفسي ببساطتهم في الحديث وواقعيتهم في الطرح وخبراتهم الكبيرة في الحياة التي لم نكن نعلم عنها من قبل، وربما نرى في ذلك قصوراً إعلامياً تم تداركه متأخراً.

وبلا شك كانت استضافة يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية سابقاً، محطة انتظرها الكثير من محبي السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وهم كُثُر؛ فالرجل كان قريبًا من السلطان الراحل، والعاطفة لا زالت تهفو للذكرى، كما توقع المتابعون طرح رؤية للأوضاع السياسية والاقتصادية التي استجدت على العالم والمنطقة فغيرت كل مفاهيم اللعبة، وفرضت واقعاً جديداً، لا زلنا حائرين في تفسيره، وما هي مآلات الخروج منه بسلام. فابن علوي عراب سياسي محنك، يحمل خطاً قومياً عروبياً منذ تبنيه مبدأ التغيير في عُمان قبل حكم السلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله- وربما يرى المتابعون أن الفرعي لم يكن هو من يدير دفة الحوار؛ بل الضيف نفسه هو الذي أراد توصيل عدد من الرسائل المهمة ولا ألوم الفرعي في حضرة بن علوي.

لن أجد حرجًا في قراءة ومضات حديث بن علوي؛ فربما الجغرافيا المكانية تجمعنا في ظفار، فإشارته لحديث دار بينه وبين السلطان قابوس في البدايات عند عودته من القاهرة مع عدد من الرفاق- إن جازت لنا التسمية- وسؤال أحدهم عن مدى تمسك السلطان الراحل بظفار في تلك المرحلة الحرجة ورد جلالته الحازم بأنها قطعة من قلبي، وهنا تتبين لنا خصوصية العلاقة بين السلطان الراحل ومسقط رأسه (ظفار)؛ كإنسان قبل أن يكون سلطاناً، فالإشارة للقلب تعني رمزية كبيرة لحب تراب ظفار كموطن قبل أن يكون وطناً، ولكون ظفار هي مفتاح بقية القلاع والحصون، فالسلطان الراحل- رحمه الله- يدرك ذلك تماماً، فتنازله عن الجنوب تحت أي ظرف من الظروف يعني تنازله عن جذوة التغيير التي بدأت تدب خطواتها الأولى في جبال ظفار، بغض النظر هل نتفق أم نختلف مع الأهداف والمآلات التي وصلت إليها. والعارف بشخصية بن علوي وهي في كثير من الأحيان تتماهى مع شخصية السلطان الراحل يعلم أن إشارته لهذا التصريح لم تكن عابرة.

لفت انتباهي ككاتب ومتابع للشأن الوطني إشارة بن علوي إلى أن هناك أكثر من ربيع قادم حسب توقعه، وكلنا يعلم حصافة الرجل وسعة إطلاعه، رغم كلماته التي كان ينقطها بعد تمحيص عميق قبل نطقها وبهدوء قد يشعرك أحياناً بالملل، فهذه الومضة تستوجب دراستها والإعداد لها مبكراً، عبر عمل وطني دؤوب، فتوقع عودة الربيع يعني أن الأحداث حالياً مشابهة لما قبل الربيع العربي في عام 2011، وربما أسوأ، فكيف يمكن للأنظمة أن تقرأ ذلك بوقت كاف؟ وأن تحول دون المزيد من الاصطدامات مع الشعوب الساخطة بعد أن وجدت نفسها في وضع لا تحسد عليه من تراجع معدلات التوظيف وزيادة معدلات البطالة وتدهور الأوضاع الاقتصادية وخاصة في الدول المرتبطة بالنفط، فماذا تراه يُريد أن يقول بن علوي ولم يقله صراحة؟ وهل فُهمت الرسالة؟

أتمنى من وزارة الإعلام الموقرة أن تستفيد من تجربة "ليل مسقط" لتسجيل حضورها في الضمير الوطني وأن تمنح المزيد من الحرية للحوارات الجريئة مع أصحاب القرار، فمعرفة الناس بمن يسوس أمورهم يُساهم في تقبل ما تتوخاه الحكومة منهم.