كرسي القبيلة!

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"العرب يدرسون التاريخ حتى يثبتوا أنَّ فلانا أشجع من فلان وفلانا أفضل من فلان" علي الوردي.

جزء كبير من أساس المجتمع في شبه الجزيرة العربية هو من القبائل العربية، ومن الصفات الجميلة والمحمودة في القبائل العربية منذ بزوغ الحياة هي صفة الحميّة بين أهل القبيلة الواحدة، وقد نظمها الشرع الحنيف عندما قال نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي معناه "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، وكان المعنى الراقي الإنساني في الحديث الشريف هو نصر الأخ إن كان ظالماً بتقويمه وتنبيهه وإعادته إلى طريق الحق، ومظلوما لنصرته حتى يعود إليه حقه، وهذه المعاني الراقية من أجمل الصفات والسلوكيات الإنسانية وهي أقرب للعدالة والأمانة والنزاهة.

القبيلة كما هو معروف مكون اجتماعي قد يتواجد في عدة دول وليس بلدا واحدا، سيما القبائل العربية المعروفة والتي تجد مجموعات كثيرة منها تقطن عدة دول، وهوأمر لا يضر القبيلة؛ بل أمر طبيعي خاصة عندما نصف قبائل الجزيرة العربية، ودائمًا تجد للقبيلة دور لايستهان به في معالجة الظواهر الاجتماعية بعدة ظروف متعددة.

الحقيقة أني أقصد أي مكون أو فئة اجتماعية على اعتبار التشابه مع مكون القبيلة، أحياناً تكون العائلة الكبيرة شبه قبيلة، وغالبا تترسخ فكرة ترابط القبيلة عندما تتعرض لأزمة معينة أو يقع ظلم أوحدث مهم، وفي الوقت المعاصر بدأت القبيلة تدخل المشاركات التنافسية على مقاعد المجالس المنتخبة بأنواعها، وأيضاً أصبح من المألوف الحديث عن كرسي القبيلة وأهميته وأهمية التمسك به كحق مكتسب وتفخر القبائل بالكفاءات من أبنائها الخادمين لأوطانهم من أي موقع، وكذلك يلاحظ وكعادة النزعات والسلوكيات الاجتماعية يظهر المتمصلحون الذين يزايدون ويساومون بهذا الكرسي، وبشعارات متعددة تبدأ بوجوب التمسك به انتهاء بتلبيس هذا الكرسي الشعارات الوطنية، ولاننسى كذلك الشعارات الدينية التي يستخدمها السياسيون لأهداف دنيوية واضحة، وأبعد ما تكون عن الدين!

ويحدث كثيرًا أن يتواجد عدد كبير من قبيلة معينة في إحدى الدوائر الانتخابية ويكون هذا العدد كافياً لانتزاع كرسي الدائرة، وذلك بحسب عدد الأصوات المصوتة، لذلك تبرز وتنتشر عند الكثير مقولة كرسي القبيلة، وهذه المقولة له تأثيرها خاصة في المكونات الاجتماعية ضعيفة التعليم، ولاينحصر التسابق على النفوذ باستغلال القبيلة من مرشحي الانتخابات، بل هناك من الوجهاء والأعيان من يستغل ذلك لمصالح معينة.

نماذج استغلال مقولة كرسي القبيلة متعددة، إنما أكثر المشاهد المتعود عليها هي أن يكون هناك مرشح لفرع كبير من القبيلة ويستطيع أن يفرض هذا الفرع مرشحاً بعينه بسبب أنه من هذا الفرع الداخلي، وللأسف تجد أن هناك نماذجا لا تملك خبرة كافية حتى علميا أوسجلا مهنيا يساعد، فقط يعتمد على الدعم القبلي، هذا النموذج بالذات هو من يستذبح على مقولة كرسي القبيلة لأن جل مواصفاته هي أعداد جماعته المصوتين، ولاتسأل عن أمر آخر!

الشيء المؤلم أن أمثال هذا المرشح يصبحون فريسة سهلة للتجاوزات خارج القانون، والتفاصيل معروفة في أكثر من بلد، والمعروف لا يُعرَّف!

الأكيد أن الإنسان الجيد المتعلم يفرض نفسه بعمله وإنجازاته، وليس بتسلقه السلم الاجتماعي بوصولية واحتيال، وشاهدنا الكثير من المحتالين الذين وأن وصلوا لكنهم انكشفوا ولم يستمروا، حتى وإن استمروا وقتاً من الممكن أنهم كسبوا أمورا مادية إنما المعنوية والسمعة الطيبة أفلسوا منها، وتخيل أن يقابلك أحدهم بإحدى المناسبات ولما يصل يدور الهمس حول سمعته المالية وأمانته في مجتمع يهمس بكل شيء ولايترك شاردة أو واردة، وقبل ذلك كله سيلازمه تأنيب الضمير، حتى أمواله لن يشعر بسلامة ملكيتها وحلالها، تلفت حولك وستجد ما تجد!

ولا شك أنَّ الأحداث أثبتت أن القبائل أخرجت الكثير من العناصر الوطنية المميزة، وقدمت القبائل كوادر وقياديين على مستوى عالٍ، لكن لم يخلو الوضع من رواسب كثيرة لكنها لم تغير الشكل العام للمشهد الوطني للقبيلة، وما تزال القبائل هي المكون الاجتماعي الأكثر أهمية في العديد من الدول حتى غير العربية.