ماضون خلفك بلا شقاق ولا فتن

 

 

خليفة بن عبيد المشايخي

Khalifaalmashayiki@gmail.com

 

لا شك عزيزي القارئ بأننا فطرنا إبان كنَّا عليها وهي البسيطة على أن تتعلق النفس دائماً بالمحبوبات والمرغوبات من الأشياء المحسوسة والملموسة في هذه الحياة الدنيا، والتي أباحها الله تبارك وتعالى لنا، كالمال والأولاد وغيرهم، مما يدخل علينا السعادة ويُبهج الأنفس بالزيادة.

وهذا أمر لا يختلف اثنان على أنَّه مطلب طبيعي جبلنا عليه وينشده العامة منا، ويتطلع إليه الصغير والكبير، ومع هذا التوصيف هنالك أيضاً أنفس مالت وتميل للملذات وتنشغل بها إلى حد الإفراط والتفريط، متناسية بسبب ذلك ما عليها من حقوق وواجبات شرعية تجاه الوالدين والزوجة والأولاد والمجتمع والناس وأولي الأمر، فتشرع للشهوات ولا تكتفي منها، مما يقودها إلى الزلل، وذلك بأن لا تفرق في تناولها ومطالبها وأخذها بين ما هو لها شرعا، وما هو ليس لها مطلقاً كالذي عليه حرمة أبدية تجاهها.

ومع تلك الرغبات التي تتنازع النفس البشرية بين الفينة والأخرى، نجد أن التسارع في طلب الأشياء الدنيوية مما تقدم ذكرها وغيرها، يخرج أحيانا عن المألوف والمسار الصحيح في مشروعية وكيفية تحققها، وما ينبغي أن يكون ويحدث، وأن الاستحواذ والسرعة في طلب هذا وذاك، يجعل بعض الآدميين يتناسون أمورا كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، أنه من لا يشكر الناس لا يشكر الله.

فشكر ذلك الذي نعلم أنه لا يدخر جهدا في إسعادنا والارتقاء بنا وتحقيق مطالبنا وما تمنينا ونتمنى، واجب تمليه علينا الإنسانية والشهامة، والرجولة والفضيلة والفهم والأخلاق والثقافة والتواضع، وأشدد هنا على التواضع لأنه جرت العادة أن تجد المتواضع مقتنعا وشاكرا وحامدا، وإن تحصَّل على البسيط والقليل، واضعاً نصب عينيه ومؤمناً أنه "من بات آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

كذلك غير المتكبر لا ينسب ما ناله وتحصل عليه في هذه الدنيا من نعم، بسبب نسبه وأصله وفصله وقوته أو جاهه أو منصبه أو علمه أو ثقافته، وإنما ينظر إلى كل ما لديه وتحصل عليه من خيرات، على أنها نعم من المنعم علينا دائما وأبدا تبارك وتعالى، وهي مناط وموضع ابتلاء لا غير، وهو لا حول ولا قوة له فيها إلا بجهد معين نفذه وقام به، بإرادة ومشيئة الله تعالى وحده جل جلاله، وليس بمشيئته هو وقدرته.

إذ إنه كما تعلمون أيها الأحباب لايسكن متحرك ولا يتحرك ساكن ولا ورقة تسقط فوق الأرض ولا رطب ولا يابس، إلا بأمره جل جلاله.

إذن فالاعتراف بما يقدمه الآخر من جهد، خاصة وأنه لا يتوانى في تحقيق ما يريحنا ويحقق الرفاهية لنا من عيش رغيد هنيء وتقدير ذلك كله، لهو من شيم الرجال المتواضعين الذين اكتسبوا صفات الشهامة والنخوة وغير ذلك من الصفات الطيبة الجميلة المحبوبة.

أيها الأحبة تعلمون أنَّ الكثير من الأمور التي تعصف بالعالم أجمع ، هي لم تكن حكرًا على مجتمعاتنا وبلدنا، وهذا البلد الذي بفضل الله فيه من الخير والخيرين ما يجعلنا نردد دائماً، اللهم لك الحمد والشكر على ما انعمت وتفضلت به علينا، كان نهج الحكم فيه متزنا وعقلانيا وعادلا ومنظما، استهدف منذ اليوم الأول الإنسان العماني على اعتبار أنه محور التنمية وهدفها وصانعها.

فإن كانت هناك مصاعب في الاقتصاد العالمي وتذبذب في أسعار النفط، وما أتى بعد ذلك من أمراض وأسقام ألمت بنا كجائحة كورونا، وما آلت إليه الأمور حتى الساعة، فإنه ما يجب أن نسلم به، بأن ذلك ليس حدثا نتفرد به، أو أمر أتينا به لأنفسنا، فما يجري في خلق الله وفي كونه، إنما هو ابتلاء أنشكر وهل سنصبر، وهو تصرف من الله فينا، فهو المتصرف في خلقه والقادر عليهم، وتأتي مثل هذه الابتلاءات والأقدار، لكي تقف هذه الأمة محاسبة نفسها إن هي قصرت، ومراجعة بناسها ما أحدثته في الأيام الماضية، حتى تصححه بما يرضيه جل جلاله وتقرر، لأنه ما يتكرر يتقرر، ومن الاختلاف يتولد الاعتراف.

فما قدره الله جل جلاله حتى اليوم، هو حدث تعاني منه بلدان العالم أجمع، والبعض ابتلي فوق هذا بذاك، وما نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنَّا.

أيها الأحبة ليس بخافٍ عليكم أن جهود حكومتنا الرشيدة أعزها الله منذ أن تولى مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد المعظم يحفظه الله ويرعاه مقاليد الحكم في البلاد، مستمرة في تنفيذ سياسات عديدة، تستكمل ما اختطه الرجل الخالد فينا، مولانا جلالة السلطان قابوس -طيب الله ثراه-، من عزة وتطور ونماء ورفاه الشعب العماني كافة، فهاهي تنطلق بهمة وعزيمة لكي نتجاوز هذه الأوضاع الحرجة، وأنها والحمدلله تحت السيطرة، وقضية الباحثين عن الأعمال والمسرحين منها وغيرها من المسائل حديث الساعة، هي بدون شك الشغل الشاغل لمولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد المعظم- حفظه الله-، الذي أخذ على عاتقه أن يمضي بهذا البلد، نحو آفاق جديدة ومستقبل باهر متنوع، وبأن يواصل المسيرة الخيّرة التي تحققت خلالها منجزات حضارية وتنموية شملت كافة أنحاء السلطنة، وأن يمضي بهذا البلد العزيز إلى مزيدٍ من التقدم والنماء والازدهار، وأن تكون عمان مجتمعا مستقرا يتمتع فيه الجميع بالرعاية الكريمة، وبالمساواة في الحقوق والواجبات وسيادة القانون.

أيها الأحبة تأبى الرماح إذا ما اجتمعن تكسرا، وإذا تفرقت تكسرت آحادا، إنه مما ينبغي علينا أن نكون مثل ما كنَّا، ماضين خلف قيادتنا الحكيمة صفا واحدا، متماسكين متناصرين ومقدرين، وبإذن الله الجهود ماضية من الجميع كل من موقعه ومجاله وإمكانياته وقدراته، في سبيل أن يعيش المواطن على هذه الأرض الطيبة عزيزا مكرما أبيا.

ولا يسعني هنا إلا أن أقول بأنه يا مولاي المعظم، نحن على نعاهدكم بأن نكون على العهد والوعد باقون كما عهدتمونا، حماة وجندا أوفياء، وحراسا شرفاء أمناء لكم ولهذا الوطن الغالي ومكتسباته ومنجزاته.

وحفظكم الله تعالى من كل سوء وشر ومكروه، ووفقكم فيما أنتم عليه سائرون وناشدون، مبتهلين إلى المولى سبحانه وتعالى أن يديمكم لهذا الوطن ذخرا وفخرا ومؤيدًا وناصرا له ولنا، محفوفًا برعاية الله وتوفيقه الدائم لجلالتكم، وتقبل الله صيامكم وقيامكم وصالحات أعمالكم، ودمتم بألف خير ومسرة، مخلصكم.

تعليق عبر الفيس بوك