نقد وانتقاد

 

أنيسة الهوتية

النقد في اللغة هو فحصُ أمرٍ واكتشافُ عيبه ثم تصحيحه أو توجيهه بالتي هي أحسن، أما الانتقاد فهو كَشفُ عيبٍ ما في أمرٍ ما وإظهارُ مساوئهِ والتَعيبُ عليهَ، وشتانَ بين الاثنين وإن ادعى المنتقدُ أنَّه ناقد ويتحدثُ بنية النصيحة إلا أن أسلوبهُ يكشف نفسه أمام المستمع الذكي.

والانتقادُ هو أسهل أمرِ يقوم بهِ الآدمي، خاصة إذا كان للاستشفاءِ! فتراهُ ينتقدُ شخصاً في كل صفاته وتصرفاته وأسلوب حياته أمام أشخاصَ آخرين أو حتى مُباشرة أمام الشخص المختص فقط للاستشفاء منه لأنه في الأصل ممتلئاً بالغيرة، حاقدٌ حاسدٌ ناقم، والكلام الذي يتفوهُ به هو  الشيء الوحيد الذي يريح الحريق الذي بداخله! والإنسان الذي يتبع هذا الأسلوب هو إنسانٌ مُمتص للطاقة، ونصيحتي للجميع بأن يبتعدوا عن المنتقدين فإنِّهم مثل مصاصي الدماء يمتصون الطاقات الإيجابية لكل من حولهم ويبثون لهم طاقاتهم السلبية المسمومة، وهؤلاء لا يستطيعون العيش وحيدين، بعيداً عن البشر لأنهم يحتاجون امتصاص الطاقات الإيجابية ممن حولهم.

وفي عصرنا الحديث مع تطور العقلية البشرية أصبح المنتقد منمقاً وأكثر خبثاً، ولهُ أساليب كثيرة تتفرعُ من كل حدبٍ وصوب. أما الناقد فتراهُ يتبع حدسه لتصحيح العيب الذي اكتشفه وتوجيه صاحبه توجيهاً صحيحاً حتى لا يؤذيهِ ولا يُشهِّر به، اتباعاً لوصية الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام حين قال: (الدين النصيحة، لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم). وأتى علم النفس الحديث الآن بذات الوصايا في المنهج النفسي الأنثروبولجي والمنهج الاجتماعي العام.

وبين محبوبية ومكروهية الاثنثن، فإن النقد وجهٌ من أوجهُ النصيحة وهو أمرٌ مستحب لأنه يهدف إلى التصحيح النافع، أما الانتقاد فهو وجهٌ من أوجهُ الغيبة والنميمة، وهو مكروه لأنه نقدٌ سلبيٌ هدام وأيضاً يُستقصد به الإساءة والتجريح.

والمنتقد دائماً لا يرى عيوب نفسهِ! فتجده يعيب غيره ويمدحُ نفسه وأهله وكل من مثله ومعه، أما الناقد فتراه يُراقب نفسه في كل فعل وردة فعل حتى لا يتعرض للإساءة من غيره أو لإساءة غيره. ولو تحول كل منتقدٍ إلى ناقد لكانت الدنيا تعيش سلاماً مُستداماً.

ورسالتي إلى كل مُنتقد ما ترك خلقاً، ولا عبداً، ولا أمةً إلا وَعَابهُ أن اتقِ الله، فإنك لا تعلم ماذا سيأتي منكَ ومن ذريتك؟! ولا تعيب على خلق الله بما هم مبتلون به، فلا تعلم لربما تُبتلى بأشد من ذلك وتُعاب في نفسك، وذريتك، وأهلك وغير ذلك. فإني قد وجدت الكثيرين في هذه الحياة ممن فعلوا ذلك ودارت الدائرة عليهم، وغرقوا في حُفَرٍ من وحلٍ وماتوا فيها دون أن يُذكروا بخير.

لا تُكابر بأخلاقكِ التي لولا هداية الله لما اتتكَ، ولا تُكابِر بِبِر أبنائكَ، وترابط إخوتكِ، وسمعتك، وصلاتك، وحجك، وعمرتك، وزكاتك، وصدقاتك، وحتى لحيتك يا رجل أو نقابك يا امرأة! فكل ذلك هِدايةٌ ورِزق من الله تعالى لكم، فادعوا بذات الهداية والرزق لكل من تجدونه بحاجةً لها، دون انتقاد وتشهير.

فكم من آباءَ ربوا أبناؤهم على قانون الصراط المستقيم ولكنهم أصبحوا أهدافاً سهلة لوساوس الشيطان، وقال تعالى في سورة البقرة الآية 208: "يا آيُها الذينَ آمنوا أدخلوا في السَلمِ كافةً ولا تَتبِعوا خُطواتِ الشيطانِ إنهُ لَكُم عَدوٌ مُبين". وهذا العدو الذي وجد مدخلاً إلى أنفس من عبتهم لن يتغيب عن مدخلٍ يجدهُ فيك أو في أهلك! فإنه متربصٌ بنا إلى اليوم المعلوم.

وفي سورة "ص": "قالَ فَبعزتكَ لأغوينهم أجمعين82، إلا عبادكَ منهم المخلصين83"

وإن كنت فعلاً من عباد الله المخلصين لما انتقدتَ خلقه.