حمود بن علي الطوقي
تعمدت أن اتسوق في أحد المراكز التجارية الكبيرة؛ بهدف مُتابعة حجم القوى الشرائية بعد السريان الفعلي لتطبيق ضريبة القيمة المضافة بواقع 5%، ما شاهدته من تزاحم الأسر وهي تجر عربات التسوق بالمستلزمات؛ سواء كانت مهمة أو غير وتتسابق في ملئها بمختلف الأصناف من المأكل والمشرب ومواد أخرى، وأنا أشاهد هذه المناظر حدثت نفسي عن فاتورة ضريبة القيمة المضافة لهذه العربات الممتلئة والمتروسة، لا شك أن المبلغ سيكون أكبر مما كان عليه قبل تطبيق هذه الضريبة التي كنا ندعوا إلى تأجيلها حتى يتعافى الاقتصاد.
السؤال الذي دار في ذهني: هل ستتغير عاداتنا الشرائية وتقل مشترياتنا لنواكب مستجدات المرحلة؟
ما شاهدته من تزاحم شديد في المجمعات التجارية يوحي بغير ذلك، فعندما ترى المستهلكين في مراكز التسوق والهايبرماركت وهم يجرون تلك العربات وهي ممتلئة بمختلف الأصناف ينتابك شعور بأن هذه الأسر التي تزور هذه المراكز سواءً كانت من ذوي الدخول المتوسطة أو المرتفعة لم تطرق بابها الأزمة الاقتصادية، وأنها تعيش في بحبوحة من العيش، وأن الفاتورة التي سيتم دفعها في نهاية التسوق، وأياً كان المبلغ المدفوع، هي حصيلة للنمط الاستهلاكي العشوائي، رضينا أم أبيْنا.
ما جعلني أتطرق للكتابة والحديث عن هذه الظاهرة في هذا التوقيت والذي أراه مناسبا هو استفحال ظاهرة التسوق وشراء الاحتياجات بطريقة عشوائية وجنونية وكأننا في سباق من يتسوق أكثر ومن يدفع أكثر.
كنت قد طرحت هذا الموضوع في وقت سابق متسائلا على حسابي في تويتر عن سبب تفشي ظاهرة الاستهلاك العشوائي واسترشدت فكرة هذا النقاش بعد لقائي صدفة بصديق لي جاء ليتسوق كما أنا هنا أيضا للتسوق، كل منِّا يحمل ورقة بمستلزمات الشراء، ما لفت انتباهي أنَّ ورقة صاحبنا قد سطرت وجهها وظهرها بمستلزمات ملأت العربة، قلت له مازحًا: "هذه تؤكل حارة"، رد عليَّ ضاحكا: "تخيل هذه متطلبات الأسبوع وكل أسبوع على هذه الحالة، هنا كان لابد أن ندق ناقوس الخطر ونفتح مساحة للحوار، علنا نجد حلولاً لهذه الظاهرة".
استحضرت طفولتنا ونحن نهبط السوق وكان شراء الطعام وفق متطلبات اليوم، وهذا النهج ما زال قائماً في بعض الدول ونادرا ما يتم تخزين الأطعمة، إلا تلك التي تمتد صلاحيتها لأكثر من سنتين.
على حسابي الشخصي في تويتر، تفاعل المغردون بعد أن نشرت قائمة المشتريات وكانت الفرصة مناسبة أن نطرح موضوعا مهما للمناقشة وطرحنا سؤال: هل النمط الاستهلاكي يتأثر بالأوضاع الاقتصادية؟ وهل مشترياتنا من المأكولات المختلفة تدار بطريقة صحيحة؟
قال صاحبي إنه في ظل خروج الأم للعمل وانشغالها بالخروج والزيارات، فإن عاملة المنزل هي من تحدد لنا مستلزماتنا، وعلينا أن نلبي طلبها، وكانت الردود متوافقة ورافضة للنمط الاستهلاكي الذي أصبح ظاهرة مخيفة في مجتمعنا المحافظ.
أعجبتُ برد أحد المتابعين عندما قال إنه يناقش زوجته بمتطلبات الشراء ويمسح الطلبات غير الضرورية، تفاعل المغردون مع الموضوع بيَّن أنه مهم ويجب أن يتناول عبر وسائل الإعلام المختلفة.
جل المداخلات وجهت انتقادًا لعاملة المنزل التي تتصرف كما تشاء بالمشتريات ووصل الحال بهن إلى المتاجرة بالأشياء وبيعها للعمالة التي تعمل في مجال الإنشاءات مقابل مبلغ زهيد.
هناك أيضاً مداخلات حمّلت الأم (ربة البيت) المسؤولية الكاملة تجاه هذا الإخفاق، معتبرة أنها المسؤولة عن إدارة شؤون المنزل وأن لزامًا عليها عدم الاعتماد على عاملة المنزل في كل شيء.
عندما نطرح الموضوع ننظر إليه أيضاً من ناحية اقتصادية وهو مطلوب الآن لانتهاج سياسة ترشيد الإنفاق، لكي نواكب متطلبات الحياة والتي أصبحت مصدر إزعاج.
خلاصة القول.. يجب أن نبدأ في التفكير الجاد خاصة بعد فرض ضريبة القيمة المضافة لإيجاد نمط عيش جديد يتماشى مع الأوضاع الاقتصادية الراهنة، وأن نكون أكثر حرصاً في معرفة أولوياتنا، وأن نكون على قدر المسؤولية؛ خاصة إذا اعتبرنا أن الحياة بحلوها ومرها ماضية وأن ترشيد الإنفاق سيُعزز من ميزانياتنا الاستهلاكية.